صوت الصحافة
المغرب كما رأيته ، انطباعات متواضعة عن بلد عملت فيه لمدة اربع سنوات .
العمل الدبلوماسي في الخارج يختلف كثيرا عن الداخل فضلاً عن العمل الرسمي في السفارة فعلى الدبلوماسي حضور مناسبات رسمية وغير رسمية ومجاملات ويفرض عليك عملك الدبلوماسي اقامة علاقات مع شخصيات سياسية وثقافية وصحفية واجتماعية للتعرف بشكل افضل عن الدولة المعتمد فيها وهذا يرتب عليك التزامات احياناً على حساب صحتك وراحتك فأنت مضطر للمجاملة الدبلوماسية والاجتماعية ، ويقوم بذلك الدبلوماسي لاسيما عندما يكون رئيساً للبعثة بكل ترحاب وفرح فهو جزء من عمله الدبلوماسي الذي يتطلب حضور ومشاركة للتعريف بدولته في تلك الاوساط .
والعمل الدبلوماسي يختلف من دولة الى اخرى غير انه يكتسي طبيعة خاصة في الدول العربية ، فتقارب العادات العربية العربية والتقاليد والروح الاجتماعية تجعلك تشعر وكأنك في بلدك وبين افراد مجتمعك فضلاً عن اللغة الواحدة والدين وهذه كلها تساعد في سرعة الاندماج في المجتمع .
وتعد المغرب البلد الذي عملت فيه اربع سنوات من اجمل البلدان لما له من خصائص وميزات قد تختلف عن عدد من الدول العربية والأجنبية الأخرى ، فالمغرب مزيج بين الشرق والغرب مع الاحتفاظ بطابعها الاسلامي والاندلسي والعربي والامازيغي ، حيث يوجد تنوع ثقافي تلمسه وتعيشه عندما تنتقل بين مدنها الغنية بالتراث الثقافي المادي واللامادي وكل مدينة تحتفظ بخصائصها عن المدن الأخرى ، فضلاً عن الروح الطيبة والاخلاق الحميدة والتواضع الذي يميز الشعب المغربي ولذلك لا تجد أي مشكلة في الاندماج في المجتمع المغربي بل احيانا تشعر انك واحد منهم .
فالذي يميز الشعب المغربي الهدوء والتحدث بصوت منخفض والتفكير العميق وهنا يحظرني التشبيه مع المجتمعات الأسيوية في طريقة الحديث ، فعندما تجلس مثلاً في مقهى بلكاد تسمع حديث الناس ، وايضاً الذي شد اهتمامي حب المغاربة لبعضهم والقناعة بما اعطاه الله لهم وحب الخير لبعضهم وعدم تفشي ظاهرة الحقد والحسد فيما بينهم وهي قيم اجتماعية تربى عليها الشعب المغربي إنها تربية ملوك.
كما لمست وعشت حب المغاربة الكبير لليبيين وتكرارهم الدائم بأن هناك تشابهاً كبيرا بين الليبيين والمغاربة وهي حقيقة ، فعدد مِن القبائل اللييية تعود اصولها الى المغرب الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وايضاً الأدارسة الأشرف الليبيين الذين تعود اصولهم الى الادارسة في مدينة فاس التي ينحدر منها الملك الراحل ادريس السنوسي وقد قام بزيارة قبور اجداده عام 1958.
ايضاً يلتقي المجتمع الليبي مع المغربي في عدد مِن التقاليد والعادات التي ترجع إما للعرب أو الأمازيغ بل أنني دائماً اقول بأن الكيماء المغربية هي نفس الكيماء اللييية مِن حب وكرم وتواضع وطيبة ،برغم مِن المعاناة والصرعات والمحن التي مر بها الليبيون .
الشعب المغربي شعب يحب العمل ويعتبر العمل الشريف ليس عيباً ، قد تراه يحمل شهادة عليا في مجال من المجالات ويخدم في مقهى بل يعتز ويفخر بهذه الوظيفة وهو ما يدعوك الى الاعجاب بهذا الشعب الذي يجسد قيمة القناعة في اجمل تجلياتها وصورها ومواقفها .
ايضاً الشعب المغربي شعب مثقف يحب الكتاب ولذلك هناك اقبال كبير مِن المغاربة على شراء الكتب ومعارض الكتاب ، بل هناك ظاهرة جميلة تراها في شوارع المغرب تتمثل في بيع الكتب على الأرصفة الذي يعكس مدى حب المواطن المغربي للكتاب .
يأخذنا الحديث عن الجامعات المغربية فقد كانت لي فرصة حضور عدد من مناقشات اطروحات الدكتوراة لبعض الطلبة اللييين والذي استوقفني ليس النظام والتنظيم الذي تتصف بها الجامعات المغربية بل الروح الطيبة والتواضع الكبير والكفاءة العلمية التي يمتاز بها اساتذة الجامعات المغربية فهي تضم خيرة واكفء الأساتذة على المستوى العربي والعالمي خاصة في مجال القانون والعلوم السياسية بجميع فروعهما .
تأتي جامعة القرويين التي زرتها وتقع في مدينة فاس مِن اعرق وأُقدِّم الجامعات العالمية ، وتعتبر جامعة القرويين وفقاً لتصنيف منظمة اليونيسكو وتصنيفات كتاب غينيس للأرقام القياسية كأقدم مؤسسة علمية وأول جامعة منحت إجازة الطب في العالم وهي ما زالت تُدرَّس حتى الآن دون انقطاع، فضلاً عن جامعة محمد الخامس وجامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة سيدي محمد بن عبدالله في مدينة فاس وجامعة محمد الأول بمدينة وجدة وجامعة الأخوين في مدينة ايفران وجامعة طنجة وغيرها من الجامعات ذات الكفاءة العلمية التي تزخر بها المغرب .
تجولت في المتحف الوطني الذي يحتوي على الثرات المغربي وايضاً الثرات العالمي وقد شد اهتمامي وجود النقائش أو النقوش اللييية وهي محفوظة في المتحف الوطني المغربي التي كتب عليها مايلي (ظهرت النقائش الليبية في شمال افريقيا منذ حوالي ثلاثة الاف سنة وبقيت متداولة حتى الفترة الرومانية ) وتمثل الحضارة اللييية القديمة .
وفي مجال الكتاب تتربع المكتبة الوطنية المغربية على كرسي المكتبات والكتاب والثقافة فهي مكتبة تزخر بالالاف الكتب والمخطوطات في شتى المجالات وتعتبر معلم من معالم مدينة الرباط اضافة الى المسرح الوطني الذي تقام فيه كل المناسبات الثقافية والوطنية والدولية وكان آخرها الاحتفال بيوم افريقيا .
المكتبة التي احببتها واصبحت مدمن عليها هي مكتبة الفكر في شارع علال الفاسي بوسط مدينة الرباط ، فقد وجدت بها العديد من الكتب في شتى العلوم لا سيما السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية فضلاً عن مكتبات اخرى كنت اقوم بزيارتهم من حين الى آخر لمعرفة آخر الاصدارات .
برغم مِن سيطرت الصحف الالكترونية والأخبار السريعة في وسائل التواصل الاجتماعي الفيس والكس ، فأن المواطن المغربي مازال يفضل الصحف الورقية واهمها العلم والصحراء والصباح والاخبار والمساء والأحداث المغربية والنهار المغربية وصدى المغرب العربي وغيرها مِن الصحف وهي صحف بين المستقلة والحزبية ، وتجد المواطن المغربي كل صباح يشتري الصحف لمعرفة الاخبار ووجهات نظر كبار المحللين السياسيين .
يعشق الشعب المغربي الذهاب الى الحدائق العامة والمنتزهات وتشتهر المغرب خاصة مدينة الرباط بحدائقها العامة الجميلة والمنظمة ، وقد اهتمت الدولة بهذه المرافق لما لها من اهمية صحية وترفيهية واجتماعية فضلاً عن الاماكن الخاصة لممارسة رياضة المشي والجلوس امام شاطئ البحر ، وباعتبار أن الاهتمام بهذا المرفق هو مسؤولية الدولة فقد اهتمت بهذه الاماكن من حيث تعشيبها ونظافتها اضافة الى وجود مسابح عامة في متناول عامة الناس ، وهنا تمثل منطقة الصباح وهرهورة المطلتين على المحيط الاطلسي من اجمل المناطق السياحية في مدينة الرباط.
الشعب المغربي يعشق كرة القدم وتجد الجميع يحب هذه اللعبة حيث تنتشر النوادي لتدريب الاطفال والشباب ، مع وجود الاكاديمية الملكية لكرة القدم التي تخضع لاجراءات قبول صارمة حيث الذي يتخرج منها ويحمل شهادتها صار من ضمن المنتخب الوطني .
الذي لفت انتباهي الفرحة الكبيرة للمغاربة وهم يشاهدون مِن خلال شاشات التلفاز مباريات منتخبهم اسود اطلس وهو يحقق الانتصارات ويخطف الاعجاب في كأس العالم .
وفي الحفلات التي اقيمت في الشوارع على هامش المباريات يرفع المغاربة علم بلادهم ويتلحفون به كرمز للوطنية والشعور بحبهم لبلادهم والافتخار بها وارتباطهم الشديد بهويتهم وارضهم والتمسك بها ، وهي صورة من صور التي جسدت قيمة الهوية الوطنية كقيمة سامية سامقة تعلوا فوق كل القيم وزادت فرحة وغبطة الشعب المغربي وهم يرون ملكهم الملك محمد السادس يشاركهم فرحتهم بنزوله الى الشارع لتعبير عن فرحته واعتزازه بالمنتخب الوطني المغربي .
وهنا لاحظت أن فرحة وسعادة الملك ليست فقط مرتبطة بالانتصارات التي حققها المنتخب الوطني بل مشاهدته للمغاربة وهم يرفعون العلم رمز الهوية الوطنية التي دافع عنه جده محمد الخامس وهو يناضل ضد الاستعمار الفرنسي ورعاه وحافظ عليه والده الملك الراحل الحسن الثاني وغرسه في قلوب وعقول المغاربة واصبح جزء لا يتجراء من حياتهم اليومية وارتباطهم بدولتهم وعززه الملك محمد السادس بإجراءات شملت مختلف مناحي الحياة السياسية مِن تعديل الدستور عام 2011 وتوسيع دائرة المشاركة السياسية الى تنفيذ عدد مِن الانجازات التي جعلت المغرب يحقق خطوات متقدمة و مهمة في مجال التنمية المستدامة من طرق سيارة وفق احداث المواصفات وقطارات ومطارات وبنى تحتية ومصانع ومواني اهمهما ميناء طنجة المتوسطي الذي يستقبل في اكثر من خمسة ملايين حاوية وفنادق ذات مواصفات عالمية وغيرها من انجازات كبيرة .
وفي سياق الاعتزاز بالعلم المغربي كرمز للهوية ولاسيما في تلك الاحتفالات بمناسبة انتصارات المنتخب الوطني المغربي لا تجد صور للعاهل المغربي الملك محمد السادس مرفوعة في الميادين العامة و الشوارع بل الملك محفور في قلوب الملايين من المغاربة الذين يحبونه ويقدرونه حق تقدير وهذه الملاحظة لاحظها بعض السفراء الاجانب مِن باب الاعجاب بالتمسك المغاربة براية بلادهم 🇲🇦 والشد عليها بالنواجذ والمحافظة عليها ولذلك يمكنك مشاهدة العلم وهو يزهو في كل المدن كرمز للوطن والهوية الوطنية التي تعكس مدى حب المغاربة لوطنهم وبلدهم ، وتعلق صور العاهل المغربي الملك محمد السادس فقط في المؤسسات والدوائر الرسمية وهي صورة التي اعتمدها الملك وطلب مِن حكومة رئيس الوزارء السابق سعد الدين العثماني اعتمادها كصورة رسمية .
لا تسطيع أن تتجاهل العامل الديني في المغرب دون المرور عليه والحديث عنه باعتبار المغرب دولة اسلامية كما نص عليه الدستور ، والمغاربة سنة مالكية ومازالت المغرب تحافظ على الشعائر الدينية المالكية ، تراها وتعيشها في العديد مِن المواقف ومنها خلال شهر رمضان المبارك ، فالمغاربة يعطون لهذا الشهر الفضيل اهمية قدسية خاصة والذي يميز الشعب المغربي المسلم احترامه لهذه المناسبة من حيث المحافظة على الصيام واداء العبادات من الصلاة في المساجد في كل الاوقات الى صلاة القيام حيث تمتلئ المساجد بالمغاربة الى درجة احياناً لا تجد مكان من شدة الزحام ، ويبرز هنا مسجد الحسن الثاني في مدينة الدار البيضاء كأحد اهم المعالم الاسلامية وقد اديت فيه الصلاة في عدد مِن المناسبات وهو مسجد كبير وتحفة معمارية إسلامية رائعة جسد الطابع المعماري المغربي الأندلسي، وقد بنى نصفه فوق مياه المحيط الأطلسي على الشاطئ الغربي لمدينة الدار البيضاء، ونصفه الآخر على اليابسة ويعتبر اكبر مسجد في المغرب والثاني في افريقيا والثالث عشر عالمياً .
وخلال شهر رمضان الذي له طقوس خاصة لدى المغاربة يحرص العاهل المغربي الملك محمد السادس على اقامة الدروس الحسنية وهي عادة جميلة توارثها ملوك المغرب وحافظوا عليها ، ويقوم جلالته بترأس هذه الدروس التي يستدعى لها مشاهير وعلماء ومفكرين العالم الاسلامي مِن اساتذة ومشايخ دين وفقه شريعة وحديث واقتصاد واجتماع ، وقد حرصت على حضور كل الدروس التي يتألق فيها المحاضرين بافكارهم الدينية القيمة ، ويتم جلوس السفراء والقائمين بالأعمال حسب الاقدمية الدبلوماسية وتنقل مراسم هذه المناسبة على الهواء مباشرة .
ويحافظ القصر الملكي على الطقوس الملكية الرائعة التي تشعرك بالرهبة والشعور بأنك في دولة تحترم تاريخها وتقاليدها الملكية العريقة ، وعند دخول الملك وولي العهد وشقيقه يقوم عددٍ مِن المكلفين بالمناداة حيث يرديدون عبارة ( الله يبارك في عُمر سيدي ) اكثر مِن مرة بصوت جهوري جميل وكانها معزوفة سيمفونية يتردد صداها في كل ارجاء المكان .
ويحمل الملك صفة امير المؤمنين وهي صفة اكتسبها مِن والده واجداده الذين يرجعون الى العائلة العلوية التي تولت عرش المملكة المغربية منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي. – وتنحدر الأسرة العلوية من السلالة النبوية الشريفة، التي ينتهي نسبها إلى الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهنا ينقلني الحديث وبإيجاز عن عيد العرش الذي يعتبر مِن اهم المناسبات الوطنية وقد تشرفت خلال مدة عملي بحضور هذه المناسبة كممثل لدولة ليبيا ، وتتميز هذه المناسبة بحضور شعبي ورسمي كبيرين وتقام في كل عام في مدينة الفنيدق بتطوان ويتم فيها تجديد البيعة للملك .
والملفت للانتباه أن المغاربة في هذه المناسبة وكل المناسبات الوطنية والدينية يحرصون على لباس الجلباب المغربي الأبيض الجميل والبلغة المغربية والنساء يلبسن القفطان المغربي الذي يعد مفخرة الصناعات التقليدية والتراث المغربي الأصيل يتوارثه المغاربة جيل بعد جيل بل يتمسكون به ويشدون عليه بالنواجذ ولذلك يحرص الملك محمد السادس عند الظهور في هذه المناسبات على ارتداء الجلباب المغربي الأصيل ليكون قدوة للمغاربة للتأكيد على أهميته كجزء مِن المورث الثقافي المغربي الذي نجح المغرب في تسجيله في منظمتي اليونيسكو والاسيسكو .
يشتهر المطبخ المغربي بعدد مِن الأكلات المغربية التي تعود الى ازمان بعيدة ويحافظون المغاربة عليها ويقدمونها كطبق رسمي الى الزوار وفي المطاعم ومنها الطاجن والطنجية والكسكسي المغربي الذي يقدم مع اللبن وعند السؤال عن سر البن افادوا أن اهميته في تسهيل عملية الهظم ،وايضاً مِن الاطباق المغربية الرفيسة والبسطيلة كما يشتهر المغرب بشتى انواع الحلويات المختلفة واهمها شباكية .
هذه حوصلة سريعة وموجزة في هذا الادراج عن المملكة المغربية وربما هناك الكثير الذي يستحق ذكره ولكن المقام لايسمح وسيكون في ادراجات اخرى بإذن الله.
ولكم خالص التحية .
ابوبكر الطويل
دبلوماسي ليبي