
صوت الصحافة
يُخلد العالم في 3 ماي من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو مناسبة سنوية تُكرّسها المنظمات المهنية لتسليط الضوء على وضعية حرية الصحافة والتقدم والإخفاقات في مجال حرية التعبير.
وتشر هذه التقارير إلى أن جميع بلدان المنطقة المغاربية، باستثناء موريتانيا، تُصنّف في رتب متدنية في المؤشرات العالمية لحرية الصحافة، إذ يتعرّض الصحفيون المغاربيون إلى الملاحقة القانونية والاعتقال بسبب عملهم الإعلامي، ممّا يُهدّد حريّتهم الشخصيّة ويُخنق أصواتهم، وفقا لهذه التقارير.
وفي ما يلي صورة عامة عن وضعية الصحافة في البلدان الخمسة:
موريتانيا
وتؤكد “مراسلون بلا حدود” في تقريرها الصادر، اليوم الجمعة، أن موريتانيا تقع في خانة الدول التي شهدت “تحسنًا ملحوظًا” في مجال حرية الصحافة.
وتضيف أن هذا التحسن وضع موريتانيا في المرتبة 33 ضمن 180 بلدا عبر العالم، حيث “أصبحت الانتهاكات ضد الصحفيين أقل تواترا”، لكنها أشارت إلى أن “الصحافة المستقلة تئن تحت وطأة عدم الاستقرار”.
وفي اتصال مع “أصوات مغاربية”، يقول أحمد سالم ولد الداه، النقيب السابق للصحفيين الموريتانيين، إن “الوضع لم يتحسن كما ينبغي، إذ لا تزال الإشكالات تعترض العمل الصحفي في موريتانيا بالرغم من وجود سلسلة من القوانين التي تمت المصادقة عليها خلال السنوات الأخيرة”.
ويوضح أن الصحافة في البلد “تعترضها عوائق كبيرة، منها البعد اللوجستي للمقاولات الصحفية والبعد التكويني، علاوة على بروز ما يعرف بصحافة المواطنة التي لا تخضع للمعايير المهنية ولا لأخلاقيات المهنة”، لافتا إلى أن تهديد الشبكات الاجتماعية للوضع التقليدي للصحافة مسألة عالمية، لكن “العبء يظل كبيرا على الصحافة الموريتانية مقارنة بدول فيها مؤسسات صحفية عتيدة.
ورغم ذلك، يشدد على أن حرية الصحافة في موريتانيا “تتعزز يوما بعد يوم، إذ لا يوجد صحفيون في السجون”، مشيرا إلى أن الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، منفتح على حريات أكبر للصحافة، لكنه رجح أن تكون بعض الأطراف في السلطة “لا تريد وجود صحافة حرة ومستقلة قادرة على كشف فسادها في إدارة الشأن العام”.
تونس
وحلت تونس في المرتبة 118 عالميا في خانة الدول التي يعاني فيها الصحفيون “الأمرين بين مطرقة الاعتقالات وسندان الضغوطات السياسية”، وفقا لـ”مراسلون بلاحدود”، التي أشارت إلى أن “الاعتقالات والاستجوابات تطال الصحفيين التونسيين الذين ينتقدون كيفية استيلاء الرئيس قيس سعيد على السلطة في سيناريو يعيد إلى الأذهان فترة ما قبل الثورة”.
وفي حديث مع “أصوات مغاربية”، يؤكد عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، عبد الرؤوف بالي، إن هناك العديد من الصحفيين سواء في حالة إيقاف أو ملاحقات، ففي كل أسبوع أو أسبوعين نجد زملاءنا في مكاتب التحقيق أو في جلسات المحاكمات”،
وتحدث عن ملفات “ملفقة” ضد الإعلاميين، مشيرا بالأساس إلى توقيف السلطات في أكتوبر 2021 الصحفية شذى الحاج مبارك، في قضية مرتبطة بشركة “إنستالينغو” المتخصصة في إنتاج المحتوى الرقمي.
وقد صدر حكم قضائي بالإفراج عن شذى في 19 يونيو 2023، وحفظ التهم الموجهة إليها، قبل أن يتم إيقافها مجددا في يوليو الماضي وإيداعها بالسجن المدني بالمسعدين في محافظة سوسة الساحلية.
ويؤكد عبد الرؤوف بالي أن “الملف فارغ ولكن السلطة متمسكة بمحاكمة الصحافية زورا”.
المغرب
وصنفت “مراسلون بلا حدود” المغرب في الخانة نفسها مع تونس، لكن يقع في المرتبة 129، وهو ما يعني تسجيل تقدم عن المركز 144 عالميا، الذي سجلته المملكة العام الماضي.
لكن المنظمة تقول إن هذا التقدم “مردُّه أساساً لعدم وجود اعتقالات جديدة”، مشيرة إلى “هول دوامة القمع الجاثم على صدور الفاعلين الإعلاميين، والذي يتَّخذ شكل الملاحقات القضائية بالأساس”.
وتؤكد المنظمة الدولية أن في المغرب “تعددية الصحافة تبقى مجرد واجهة صورية، حيث لا تعكس وسائل الإعلام تنوع الآراء السياسية في البلاد، حيث يواجه الصحفيون المستقلون والمنابر الإعلامية الناقدة ضغوطاً كبيرة، يُنتهك الحق في الحصول على المعلومات أمام آلة الدعاية التي ترمي بكل ثقلها، بينما أصبح التضليل الإعلامي أداة لخدمة الأجندة السياسية لدوائر السلطة”.
من جانب آخر، رصدت تقرير النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الخميس، غياب اعتقالات مرتبطة بحرية الصحافة في الفترة الممتدة بين مارس 2023 ومارس 2024، مضيفة أن “لا جهة رسمية تابعت صحافيا بسبب مادة إعلامية منشورة؛ مما يظهر التقدم على مستوى النضج المطلوب في تدبير ما يمكن أن ينشأ من خلاف بين المؤسسات الدستورية والصحافيات والصحافيين”.
الجزائر
وفي الجزائر التي حلت بالمرتبة 139، “باتت الصحافة المستقلة مهددة بالانقراض”، وفق مراسلون بلا حدود.
وتراجعت البلاد ثلاث مراتب عن تصنيف العام الماضي (136). وبحسب المنظمة الدولية، فإن حرية الصحافة “تواجه العديد من الخطوط الحمراء، حيث أن مجرد الإشارة إلى الفساد أو قمع المظاهرات من شأنه أن يكلف الصحفيين التهديدات والاعتقالات”، مضيفة “لم يسبق للساحة الإعلامية الجزائرية أن شهدت مثل هذا التدهور”.
وكانت هيومن رايتس ووتش أكدت، في يناير العام الماضي، أن “السلطات الجزائرية صعدت قمعها لحريات التعبير والصحافة وتكوين الجمعيات والتجمع والتنقل ضمن جهودها المستمرة لسحق الاحتجاج المنظم”.
من جانب آخر، أصدر المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين، الجمعة، بيانا، يسجل فيه ما وصفه بـ”الإنجازات المهمة التي حققتها الجزائر في مجال الإعلام”. إذ “شهدنا انطلاقة جديدة للإعلام الوطني تستند إلى منظومة تشريعية محينة وقوية تواكب رهانات المرحلة وتحدياتها، معززة بدعم رئاسي قوي يؤكد على أهمية وسائل إعلام مهنية ومسؤولة تؤدي دورها في إيصال المعلومة الصحيحة والدقيقة”.
ليبيا
ولم يشمل تقرير “مراسلون بلا حدود” ليبيا، لكن الممارسات الإعلامية المستقلة ظلت محل تهديد في هذا البلد المغاربي منذ الثورة عام 2011.
ويشكو قطاع الصحافة والإعلام في ليبيا من غياب التنظيم في ظل حالة الانقسام السياسي، بينما يسعى القائمون على نقابة الصحفيين تحديداً لإيجاد آلية لصياغة قانون ينظم العمل الصحفي ويحمي حقوق الصحفيين.
وكانت نقابة صحفيي طرابلس والمنطقة الغربية في ليبيا رفضت إطلاق حكومة الوحدة الوطنية، العام الماضي، منظومة إلكترونية لتنظيم وحصر الكوادر الصحفية في البلاد، وهي خطوة يعتبرها الصحفيون مخالفة للإعلان الدستوري وتدخلا في اختصاصات نقابتهم.
ويتخوف صحفيو طرابلس من أن يكون إنشاء المنظومة المذكورة وسيلة لـ”تدجين الصحفي وإذعانه من خلال توقيعه على ميثاق شرف لم يكتبه أو يستفتى عليه أو يشارك في صياغته”.
وفي المنطقة الشرقية، تؤكد تقارير وقوع تضييقات على العمل الصحافي، فقد أكدت منظمة العفو الدولية، وفي تقرير سابق، أنها وثقت حوادث اعتقال الصحفيين في أعقاب الإعصار دانيال الذي ضرب المنطقة وتسبب في آلاف القتلى والمفقودين وفي تدمير جل البنى التحتية.
وتدعو منظمات حقوقية “القوات المسلحة العربية الليبية” بقيادة المشير خليفة حفتر والتي تسيطر بحكم الأمر الواقع على شرق ليبيا – إلى الرفع الفوري لكافة القيود غير المبررة المفروضة على وسائل الإعلام.
وتعاني ليبيا، وفق تقرير سابق لـ”هيومن رايتس” من خطر حقيقي مرده الأساسي إلى “انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجماعات المسلحة والميليشيات”. بالإضافة إلى “تتنافس النخب السياسية ومجموعة متنوعة من الكيانات الشبيهة بالسلطة على الشرعية والسيطرة على الأرض بعد نحو 12 عاما على الانتقال السياسي”.