ريان أيقظ الشعور الإنساني في أمة كاملة قبل أن يغمض عينيه إلى الأبد
بقلم كادم بوطيب
القليل منا من يعرف أن هناك أرواح تأتي فقط لتعلمنا درسا و تغادر نحو دار البقاء ،خبر وفاة الطفل ريان أحسست به قبل تاريخ الإعلان الرسمي،ودائما أقول أن من يمارس مهنة المتاعب واجب عليه أن يتوفر على الحاسة السادسة كي كيشم رائحة الخبر والمصدر والحقيقة ، في حادث ريان سدت كل أبواب المعلومة الدقيقة من الجهات المسؤولة ،وحدي من آمنت بفكرة واحدة هي “إلى تسد عليا الباب ندخل من النافدة” …حتى كنت أتمنى أن يكون لي اتصال مباشر مع عزرائيل كي أسئله هل قبضت روح ريان أم مزال ….!؟ لم أنام مند ليلة الجمعة التي زهقت فيها روح الطفل ريان ،وهدا ما سيأكده لاحقا التشريح الطبي الدي يخضع له بالمستشفى العسكري بالرباط بعد نقله عبر مروحية،لم أنم ولو دقيقة واحدة بكيتُ بحرقة تألمت….حزنت وكأن شيئا ثمينا ضاع مني ومن العالم هنا أدركت السر العظيم “مادا بين ريان وبين الله” ، كنت أكون السباق لإعلان وفاته وتراجعت ،و من غير الأخلاقي بل حتى القانوني نشر ذلك للعموم، فقط اكتفيتُ ببعض الإشارات الضعيفة على حائطي الفايسبوكي، انتظرت حتى إخراجه وإعلان خبر وفاته قبل الإعلام الرسمي، طبعا تواصلت وأخبرت دائرة ضيقة بذلك من زملاء الثقة ، والخبر كان يعلمه عدد ضيق من الصحافيين المهنيين البعيدين والغير متجمهرين بمكان الحادث، تكثمنا على الخبر لإعتبارات معينة…..وليس هدا هو المهم…..ريان رحل إلى دار البقاؤء وأبكى الملايين من الناس عبر العالم.
ريان ربما أنت اليوم في عالم أفضل من عالمنا هذا….هذا العالم الأكيد الذي خطوت فيه لخمسة سنوات من عمرك في تلك البلدة النائية البعيدة عن ضجيج المدينة القريبة من الجوهرة الزرقاء شفشاون،المدينة السياحية الجميلة الهادئة التي يعرفها العالم أكثر أي مدينة مغربية.
أكيد ريان كنت تخطو خطواتك الأولى من عمرك لتبدأ ككل أطفال بلدتك سنواتك الأولى في المدرسة مع قلم ودفتر، ربما حلمت أمك بأنك ستكبر يوما وتزور طنجة وتطوان والرباط والدار البيضاء لتكمل دراستك لتأتي لزيارتك هي ووالدك .
ريان ربما كنت تشتهي أشياء كثيرة وأنت هناك في قريتك الصغيرة ربما اشتيهت قطعة شوكولا أو حلوى … ربما اشتهيت قطعة بيتزا لا تظهر لك إلا في إشهارات التلفاز تظهر …ربما والأكيد كانت لك هنا أحلام وانتهت اليوم داخل جب بئر ضيق المساحة….ريان ربما كان آخر أحلامك أن تعانقك والدتك وأنت في قعر دلك البئر لتأتيك فقط بكأس ماء وقطعة خبز رغيف من يدها…. ربما تمنيت فقط أن تحضنك وتعانقك لتزيل عندك ذلك الظلام والخوف الذي عشته لوحدك في البئر ولمدة تجاوزت الخمس أيام.
يا ريان جرحك صعب تضميده صعب سيظل في قلوبنا ، هذا الجرح سأبكي كلما تذكرتك كلما أتى فبراير كلما أتى شهر الحراك العربي …كلما ذهبت لشفشاون سأبكي صغيري وأزور دلك المكان وكأنني أقف على غار حيراء …. لأنك معجزتنا في الحب الذي وحد الإنسانية، لأنك بطل شجاع واجه الموت والتعب والإرهاق والخوف لوحده دون والديه دون ضوء دون أي شيء وأنت طفل في الخمس سنوات.
لقد شكلت مأساة وفاة ريان عنوانا لتوحيد العرب على الأمل في الإنقاد، في الوقت الذي نشهد فيه موقفا عربيا موحدا على المستويين الشعبي والرسمي منذ أمد بعيد، بل إن محنة الطفل ريان أعادت إلى الواجهة مآسي أطفالنا في فلسطين وسوريا واليمن وليبيا ولبنان والعراق.
لقد تجاوزت مشاعر التضامن بعدها العربي والإسلامي لتحتل مساحة واسعة من الاهتمام الدولي بالمأساة، ما يجعلها من الحالات الاستثنائية القليلة التي نالت الإجماع الإنساني للعالم.
على كل حال هناك أرواح تأتي فقط لتعلمنا درسا و تغادر نحو دار البقاء
شكرا لملك المغرب الدي حرك جبلا كاملا من أجل إنقاد طفل من أبناء شعبه الوفي ….شكرا لكل الجنود الذين شاركوا في عملية الإنقاذ، شكرا للمتعاطفين عبر العالم.
رحمه الله الطفل ريان …وعزاؤنا لوالديه وأسرته وللشعب المغربي وللضمير الإنساني العالمي.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.