ثقافة
حوار مع الفنان التشكيلي المغربي عثمان الهاسوتة
صوت الصحافة // كريم حدادي
” يأتي الفن، و لو أنه محاكاة لشيء ما داخل الطبيعة، لينقح الحياة أو ليدرج ما لم يدرج”.
“إن ما يهمنا أساسا هو إثارة الأفكار و الأسئلة حول ما راكمته القصة القصيرة المغربية من نتاج، و ما أنجزته من تحول على صعيد كتابتها و متنها البنائي“. يقول عثمان الهاسوتة في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي. عثمان، ابن المدينة الحمراء، تشكيلي و قاص مغربي، من مواليد 1998، يتبنى مشروعا فكريا و ثقافيا لخدمة الفن في المغرب. “الصالون الثقافي”، “سلسلة القلم”، ” جمعية الشباب الواعد”، و مشاريع أخرى، يحكي لنا عنها بالتفصيل، صاحب رواية: “شخصية واحدة تحتاج أكثر من مؤلف“، من خلال هذا الحوار.
-
من هو عثمان الهاسوتة؟
عثمان الهاسوتة، فنان تشكيلي و مؤسس لقاء Art Talk لتدارس الفن و الجمال”. و أنا من مواليد 1998 ؛ ترعرت بمدينة أيت ورير، حيث حصلت على شهادة الباكالوريا، تخصص العلوم الإنسانية. بعد ذلك، تمكنت من الحصول على شهادة الإجازة، تخصص اللغة الانجليزية و آدابها. كما إنني مدون في مجموعة من المواقع الالكترونية و المجلات الرقمية. وسبق أن اشتغلت كسكرتير تحرير لمجلة المشتل، التي يصدرها المرصد المغربي للتربية و التكوين. و أنا اليوم رئيس” جمعية الشباب الواعد”. حيث أسهر داخلها على مجموعة من المشاريع الفنية: كـ”الصالون الثقافي”، “سلسلة القلم”.
-
يحتل الفن بالنسبة لك مكانة كبيرة. ما السر وراء ذلك؟
في الواقع، أنا ترعرعت داخل أسرة فنية. والدتي تمارس الفن بطريقتها. و والدي عشق الموسيقى و مارسها. للإشارة فهذا الوسط الفني، يعتمد على السمع أكثر من البصر، و لم يكن يحتل الفن المرئي أهمية في حياتي في هذه المرحلة. و هذا ما أسميه “الترعرع الأول.”
“يأتي الفن، و لو أنه محاكاة لشيء ما داخل الطبيعة، لينقح الحياة أو ليدرج ما لم يدرج”.
أما اليوم، و بفضل القراءة و البحث، و التجربة، تغيرت الأمور. فقد اكتشفت أن هناك حقيقة واحدة داخل الفن. بحيث أن الوجود يكشف عن نفسه من خلال الفن. بصيغة أخرى، و كما قال “دافنتشي”: “يأتي الفن، و لو أنه محاكاة لشيء ما داخل الطبيعة، لينقح الحياة أو ليدرج ما لم يدرج”. فالفنان هو من يجعل ما ليس كائنا يندرج في الكينونة. هذا ما أسميه إبداع، و الإبداع و “الخلق” لا يتوقفان على الجغرافيا أو الزمن، فالفن لغة إنسانية تتميز بخاصية مهمة: إنها تحوي الكينونة و تسجل تاريخ الإنسان، تاريخ ظهور الإنسان و تاريخ ارتباط الإنسان بالكينونة.
-
يقول ” بول سيزان ” : “ليس للتصوير غاية إلا التصوير”. أ يمكن اعتبار سيزان ما بعد حداثي سابق لأوانه؟
لا يمكن الحديث هنا عن ما بعد الحداثة. أعتقد أن “سيزان” بعيد نوعا ما عن هذا الموضوع. لكن، ما أريد أن أركز عليه في هذا السياق، هو أن المسألة الفنية أو العملية الفنية، اليوم، لم تعد ترتبط بثلاثية الفنان، العمل الفني و المتلقي أو الجمهور. هناك عنصر اخر، أضحى يمتلك نوعا من “السلطة الفنية”، تخول له إضفاء نوع من الأهمية على العمل الفني.
في مجال الجماليات مثلا، يطلق علماء الجمال المعاصرون على هذه السلطة لقب “الأكاديمة غير المرئية”. مسألة مؤسسات، خبراء… أضحوا يتربصون بالفن. إنه لا يراد للفن أن يكون فنا بالأساس ( في خضم هيمنة “المادية” على هذا المجال، تتجه الشركات الكبرى و صالات العروض، وغيرها، إلى تشويف سمعة الفن.) أصبح الفن، عوض أن يتخذ من قلق الإنسان، سعادته، حريته… موضوعا له، يبحث عن الدراهم و الدولارات.
-
تلاحق هذا الموضوع منذ مدة…
لم يدم ذلك طويلا. ما زلت أبحث في هذا المجال. و قد راودتني الفكرة خلال إحدى لقاءات “حديث الفن” Art Talk. إضافة إلى ذلك، أعجبت ببعض مبادرات فنانين ايرلنديين…
- هل تتواصل مع مثقفين أجانب؟
طبعا، ايرلنديين، بريطانيين و أمريكيين خصوصا. إذ يحاولون، من خلال المناقشة و صالات العروض، أن يأسسوا لظواهر فنية جديدة. فالمصور مثلا، لا يجب أن يمارس التصوير من أجل التصوير، كما قال سيزان. لكن من أجل الإحاطة بمجموعة من الأسئلة المصيرية، كالكينونة، الموت، الهوية، الحرية. و هذا ما أثار إعجابي لدى بعض التجارب الايرلندية مثلا.
-
أنت تشكيلي؛ كيف تقيم واقع الفن في المغرب بما في ذلك الفن التشكيلي ؟
هناك فنانون شباب مثل “هاجر المستعصم”، فنانة تشكيلية خريجة مدرسة الفنون التشكيلية بتطوان، و هي فنانة مراكشية. من خلال أعمالها الفنية و تصوراتها، تسلط هاجر الضوء على وضعية المرأة. و تشكك في مجموعة من نظريات الخطاب النسائي، محاولة تجسيد المرأة في الواقع عن طريق الفن. “معاد الميساوي”، من خلال لوحات دامية، هياكل عظمية… يبين، في المقابل، ضياع إرادة الإنسان في الواقع المعاصر.
هناك أيضا جيل يسمي نفسه بـ”الجيل الجديد”. و هو يرتبط بالفن بطريقة كلاسيكية. أقصد بذلك أنها لا تحقق شرط الوعي بالفن. صحيح أن هناك معارض، أنشطة فنية… لكن السؤال المطروح هو: ما علاقة الذات بالفن و الفن بالذات؟ و ماذا يريد الإنسان من الفن؟
-
ماذا يريد الإنسان من الفن؟
يريد من الفن أن يكون “محرضا ” على الحياة. بمعنى اخر، أن يكثف و يسمو بالإنسان إلى أبعد من نفسه. و يحمل إليه مزيدا من الاقتدار.
-
ما قصة الصالون الأدبي؟ هل هي نزعة إلى التراث المغربي؟
بعد حوارات عميقة وجلسات أدبية مع ثلة من الأصدقاء كـ”لحسن واحي”، و الناقد “حميد عدنان”. ارتينا أن نجعل من هذه اللقاءات، متعة جماعية، يشارك فيها كل الشباب الذين يحبون الفن. خصوصا و أن هناك قصورا في مجال الصالون الثقافي اليوم بالمغرب. من جهة أخرى، فكرة الصالون لا تمثل نزعة إلى التراث المغربي. بقدر ما تهدف خصوصا إلى الاهتمام بالنقد الأدبي و الفني.
-
تنشر كتاباتك أحيانا بمجلات عربية محكمة. هل لك قراء من بلدان عربية؟
لا أعلم صراحة. محليا نعم. هناك قراء، يتابعون كتاباتي.
-
في صالوناتكم الأدبية السابقة، ناقشتم مفاهيم فلسفية كبيرة كـ”الحقيقة”، “الجمال”، “الفلسفة”. ما هي علاقتكم بالمثقف المغربي؟
للإشارة فالصالون الثقافي هو ثمرة لمساهمات مجموعة من المثقفين خصوصا في رقعة جغرافية صغيرة كـ”ايت اورير”. و المثقف كان دائما المحور الأساسي في هذه الحلقة. إنه الذات التي تخطط للتغيير من خلال الإبداع. لذلك نحاول دائما استضافة باحثين و فنانين شباب من أجل التعبير عن آرائهم و أفكارهم تبادلها.
-
تتحدث في مقالاتك و كتاباتك كثيرا عن كبار رواد الفن التشكيلي و الأدبي. أ تؤمن بالقدوة؟
أؤمن أن هناك فنانون ، نقاد و مفكرون، تركوا بصماتهم في تاريخ الفن بصفة عامة. لوحات مبهرة. كتابات قيمة، أثارت مواضيع إنسانية و وجودية. عندما أقف أمام هؤلاء العظماء، لا أشعر بأنني أقل منهم حماسا، بقدر ما أشعر بضرورة الانخراط في الفكر، عن طريق النقد و البحث و التقصي.
-
تشرفون حاليا على “سلسلة أقلام”. هل يمكن أن نتحدث عن “سلسلة مواقف” أخرى في طور النمو؟
لا أريد أن أقارن مشروعا ضخما و مجلات كبرى، كـ”سلسلة مواقف” مع “سلسلة القلم.” لكن أستطيع أن أقول أنها سلسلة جادة تهدف إلى تسهيل المهمة للشباب الذين يتعثرون “جدا” في نشر إبداعاتهم. و نسعى داخل “جمعية الشباب الواعد” إلى تكثيف الجهود، للمساهمة في نشر و ترويج الكتاب. إلى حد الان، بالرغم من غياب الدعم، تمكنا من نشر ثمانية كتب ( روايات، دراسات فكرية…) .
-
تحت شعار القصة القصيرة و اختزال الواقع”، تستعدون لإحياء النسخة السابعة من الصالون الأدبي. هل تزعمون القدرة على العودة بالأدب المغربي إلى الواجهة؟
لقد كان و لا يزال الأدب المغربي اليوم في الواجهة. لأنه يتوفر على خطاب خاص، رؤية فلسفية وفكرية جد ملهمة. ككتابات “محمد عز الدين التازي”، “عبد الكريم الجويطي”، “عمر بلقاضي” … هي كتابات ترفع لها القبعات. في حين، نحاول في الصالون الثقافي، تسليط الضوء على القاص و الروائي المغربي الشاب. و نحن لا نزعم من خلال الدورة السابعة للصالون أن نفيض القول حول القصة القصيرة، بقدر ما نريد أن نقدم بعض وجه النظر و بعض دراسات المتدخلين حول هذا الموضوع.
-
تحب الوطن و الطبيعة و الفن. ماذا ينقصك لتكون شاعرا؟
أظن أنني لست شاعرا “لغويا”، بقدر ما أجد نفسي في التشكيل. و هو فن ليس أقل شاعرية من الشعر.
-
هل تظن فعلا أن “شخصية واحدة تحتاج أكثر من مؤلف؟”
طبعا. فالشخصية الواحدة ليست شخصية واحدة بالأساس. بقدر ما أنها شخصيات متعددة. و إن كانت هويتها هوية واحدة، تبقى التراكمات المعرفية، الفكرية، الاجتماعية و النفسية، أول منتج لشخصيات أخرى.
-
على ماذا يشتغل عثمان هاسوتة حاليا؟
حاليا، أشتغل على نشر مسودة كتاب حول النقد الفني و الجمالي، يشخص المشهد الفني المعاصر في المغرب و خارج المغرب كما أن هناك مشاريع أخرى.