اقتصاد

مستويات التضخم المنخفضة: أي تأثير على الاقتصاد الوطني المغربي ؟

صوت الصحافة // وكالات

من الواضح أن المغرب استطاع خلال السنوات الأخيرة احتواء التضخم وإبقاءه عند مستويات منخفضة، لا تتجاوز حتى الهدف المحدد من طرف البنك المركزي. لكن، ألن تنجم عن هذا التوجه الذي استمر لفترة طويلة ضغوط انكماشية على الاقتصاد الوطني ؟ هذه المسألة باتت تسائل عددا من الخبراء والمراقبين للشأن الاقتصادي.

ففي سنة 2020 ، يرتقب أن لا تتجاوز نسبة التضخم في المتوسط 0,4 بالمائة وأن تتسارع إلى 1 بالمائة سنة 2021، حسب التوقعات الأخيرة لبنك المغرب، الذي أعلن بالإضافة إلى ذلك، وبناء على استقصائه حول التضخم خلال الفصل الثالث، أن الخبراء الماليين يتوقعون تضخما بنسبة 1,1 بالمائة في أفق الأشهر الثمانية القادمة، عوض 1,4 بالمائة التي سجلت في الفصل السابق.

وفي الواقع، ومنذ بداية السنة الجارية، سجل مؤشر الأسعار عند الاستهلاك انخفاضات من شهر لآخر تتراوح بين 0,1 و0,3 بالمائة، باستثناء شهري مارس وغشت اللذين سجل فيهما هذا المؤشر ارتفاعات طفيفة بلغت ، على التوالي، 0,4 بالمائة و 1,4 بالمائة. وفي سنة 2019، سجل المعدل السنوي لمؤشر الأسعار عند الاستهلاك ارتفاعا طفيفا جدا بلغ 0,2 بالمائة وذلك بالمقارنة مع سنة 2018. وبذلك، فإنه من المنطقي، أولا، فهم أسباب هذا الانكماش المستمر للتضخم، لاسيما في هذا السياق الاستثنائي، المرتبط بتفشي جائحة (كوفيد- 19) والمتميز بتراجع العرض والطلب على حد سواء.

وفي هذا الصدد، يعتبر الدكتور في الاقتصاد بجامعة باريس 1 بانثيون- سوربون، ياسر التمسماني، أن المغرب يعرف منذ سنوات نظام تضخم منخفض، ناتج عن “ظروف سوق الشغل، وكذلك آليات توزيع القيمة المضافة”.

وأبرز السيد التمسماني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، وجود عناصر توضيحية تتعلق ب”بنية الاقتصاد الوطني نفسها” والتي تستمر مع الزمن، وكذا وجود أسباب ظرفية متعلقة على الخصوص بالأزمة الصحية.

وعزا المحلل الاقتصادي هذا التضخم المنخفض بالمغرب “الذي يعتبر غير عادي بالنسبة لدولة نامية” إلى “تطور الأجور بالمغرب بوتيرة منخفضة بالمقارنة مع وتيرة إنتاجية العمل”. وأكد السيد التمسماني أنه لا ينبغي ” إلقاء اللوم على التضخم المستورد وحده”، مشيرا إلى أن نسبة كبيرة من المسؤولية عن نظام التضخم المنخفض ترجع إلى التضخم الأساسي، وبالتالي لظروف سوق الشغل.

وقال بهذا الخصوص “إن التخوف من انكماش محتمل يبقى مشروعا، لكن الأمر رهين باستباقية السياسات الاقتصادية المالية والنقدية على حد سواء”.

ولتوضيح الانتقال من تراجع التضخم إلى الانكماش، من الناحية النظرية، أشار السيد التمسماني إلى أنه في مرحلة تراجع التضخم، يتم تسجيل معدلات فائدة حقيقية، وهو عامل يثني المستثمرين عن الاستثمار، نظرا لأن كلفة القروض تصبح مرتفعة. في المقابل، تعرف القدرة الشرائية للأسر تحسنا طفيفا نتيجة انخفاض الأسعار. وأمام هذا الوضع، يسجل الاستهلاك والطلب ارتفاعا على المدى القصير من جهة، مقابل ركود الاستثمار والإنتاج من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يحدث خللا في توازن السوق. وسجل السيد التمسماني أنه من بين السيناريوهات المطروحة لتعديل هذه الوضعية، على اعتبار أن السوق لا يستطيع الاستمرار في وضعية عدم توازن لمدة طويلة، هي ارتفاع الأسعار، ما يفسح المجال أمام تضخم غير مصحوب بالإنتاج، مشيرا إلى أن الطريقة الوحيدة لتفادي سيناريو مشابه تكمن في ” زيادة الإنتاج لضبط توازن السوق”.

ولهذه الغاية، اقترح الاقتصادي “تعزيز دينامية الاستثمار العمومي القادر على تحفيز الاستثمار الخاص والابتكار على مستوى آليات السياسة النقدية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى