بقلم : بوشعيب حمراوي
لن يتجادل اثنان بأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية تشغل بال أنظمة معظم الدول سواء منها المنافسة لها اقتصاديا وسياسيا أو المعادية لها. انتخابات تفرز أحلاما مرعبة وكوابيس للعديد من زعماء الدول المستضعفة والمستعبدة، هؤلاء الزعماء الخاضعين لأوامر وتعليمات بلاد العم سام. البلد الذي تم الاعتراف به بتاريخ 3 سبتمبر 1783، بعد أن كان قبلها خاضعا لبريطانيا العظمى، لا يؤمن نظامه بالتاريخ ولا بالجغرافيا؛ ولا يستحضر في إفرازاته السياسية المبادئ والأخلاق والحقوق الإنسانية المتغنى بها دوليا
وحتى ندرك أن اليد الأمريكية متورطة في كل حركة وسكون داخل دول العالم. وأنه لا يمكن الحديث عن حدث أو حادث دون الإشارة إلى دور نظام بلد العام سام فيه. يكفي القراءة بإمعان لرد أحد السياسيين في برنامج تلفزيوني أمريكي، حين سئل المذيع أحد السياسيين: لماذا تحدث انقلابات في كل الدول، ولا تحدث عندنا في أمريكا؟. فكان الجواب جامعا وشاملا : لأنه لا توجد عندنا سفارة أمريكية.
البلاد والأرض الأمريكية المغتصبة من طرف سكانها الأصليين، و التي يدعي التاريخ أن المدعو الرحالة كريستوفر كولومبوس و الملقب بـ (أميرال البحر والمحيط)، كان قد اكتشفها سنة 1498 م. وينسى هذا التاريخ الذي يؤرخه الحكام والنافذين. أنه تحدث بين صفحاته عن شعب وجده هذا الرحالة بتلك الأراضي الشاسعة، ولقبه ب(الهنود الحمر)، بعد أن ظن أنه وصل إلى بلاد الهند. فكيف يعقل أن نتحدث عن اكتشاف أرض لها ملاكها وشعبها. وكيف يعقل أن نتحدث عن دولة الولايات المتحدة، ونتجاهل أية إشارة للشعب الأصلي الذي تعرض لمجازر جماعية من قبل نخبة من الأوربيين. قرروا صناعة دولة عظمى للإشراف على النظام العالمي، والتحكم في كل قراراته ومساراته. وفرض كل ما من شأنه تشتيت الأسر والشعوب. بمنح الأفضلية لسلطة المال والجاه والولاء لهم ؟.
الكل مشدود لمتابعة انتخابات هذا البلد الذي لا يؤمن إلا بالقوة والجبروت واستغلال النفوذ وإعادة فتح المزادات من أجل التغيير الدائم لمعالم وحدود الدول . واستنزاف ثرواتها المادية والبشرية.
الكل مشدود إلى ما يجري ويدور داخل حلبة الصراع الأمريكي من تنافس شرس يجمع بين الشرف والقذارة، بين الجمهوري دونالد ترمب الذي حول الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجرد شركة، تسعى إلى تحقيق الأرباح والمكاسب؛ بعد أن نصب نفسه الرئيس المدير العام لها؛ وبين الديمقراطية المخضرمة كامالا هاريس التي عوضت الرئيس الحالي جو بايدن المطل على مرض الزهايمر.
هذه المرشحة التي مارست السياسة منذ سبعينيات القرن الماضي. لن تخرج عن سكة الأهداف والمرامي الأمريكية المتوافق عليها بين الديمقراطيين والجمهوريين؛ بخصوص السياسات الخارجية المبنية على توسيع دائرة النفوذ الأمريكي، وضمان استمرار الهيمنة والاستغلال والابتزاز لملء خزائن الدولة العظمى وتأمين احتياطاتها في كل شيء . فليس في المرشحين والزعماء (القنافذ) الأمريكيين أملس.
فقد سبق أن أشرت في كتابي “رسائل سياسية” الصادر شهر نوفبر من سنة 2017، أن ترامب الذي اعترف لنا نحن المغاربة عندما كان رئيسا بمغربية الصحراء وجدية مقترح الحكم الذاتي. مقابل التطبيع مع اسرائيل. كان دائما صريحا في تسويقه لعنف وعداء مبالغ فيهما. وطبعا لا هو ولا الرئيس الحالي بدلا جهودا إضافية من أجل تصفية ملف الصحراء المغربية نهائيا.
فكما وعد ترامب الأمريكيين وفى. وعد الأمريكيين بأنه سيتحول إلى مصاص لثروات العرب، من أجل الرفع من حياة الرفاهية والأمن والاستقرار داخل بلده. ترامب ظل يحلم منذ عدة عقود بقيادة بلده؛ وظل يبرز بجلاء انتقاده للسياسة الأمريكية المتبعة خارجيا.
وتكفي الإشارة إلى ما قاله سنة 1988 في مقابلة تلفزيونية له؛ حين هاجم دولة الكويت. وتساءل حينها كيف أن بلده يحمي الكويت وأمراءها بدون مقابل. وكيف أن فقراءها تحولوا إلى أغنياء. وأكد أن من حق بلده الحصول على ربع الناتج المحلي للكويت.
كما انتقد هيمنة اليابانيين على الصناعة، وتمكنهم من تسويق سياراتهم بأمريكا؛ وعجز الأمريكيين على تسويق سياراتهم في اليابان.
وأكد في ذات المقابلة أنه سيفوز في الانتخابات الرئاسية إن هو بادر إلى الترشيح إليها. وختم حواره بالتأكيد على أنه سيحصل على المال لبلده من تلك الدول، التي كان بلده يؤمن لها الأمن والاستقرار لسنوات… وطبعا فاز بثقة الشعب الأمريكي وكسب ولاية رئاسية ونفذ ما وعد إنا سرا أو علنا. بمعنى أنه كان يخير الذبيحة بين القتل والتنكيل بالجثث أو الموت السري السريري.
لقد استحق ترامب القادم لا محالة لولاية رئاسية ثانية لقب (الفتوة) بامتياز.باعتبار أن الفتوة تعني رجل عصابة أو مجرم قوي البنية كان يفرض سيطرته وحمايته على حي أو منطقة، يأخذ من أصحابها مالاً نظير حمايتهم.
الكل بات يعلم أن العم سام يعاني من مشاكل مالية وسخط بعض أبناءه وبناته الذين يرون أن الاستفادة الأمريكية ليست بحجم الأمن والأمان الذي قدمها ويقدمها لدول العالم.
الحقيقة التي على الكل أن يدركها أنه لا وجود ل (العم سام)، ولا (الخالة فرنسا)، ولا (أبلة روسيا).. وغيرها من باقي أفراد الأسرة السياسية المزورة في هذا العالم المتماسك ب(القدرة الإلهية).
فهل استنفذ الجمهوري ترمب كل طاقاته ومخططاته، وحان وقت المخاطرة بمنح الرئاسة لمرشحة الديمقراطيين ؟ ؟….أم أن رائد حلبات المصارعة الأمريكية لازال في كامل لياقته البدنية والفكرية، وفي أوج عطائه وسخائه للأمريكيين؟. لازال بجعبته الكثير من المهارات (الفانت) حتى وإن شاخ وخارت قواه…
إن سلالة العم سام لا تؤمن بالعقيدة أو العرق أو القبيلة ولا حتى بالأسرة الصغيرة الدافئة، بقدر ما تؤمن باستنزاف طاقات وموارد الشعوب.
كما أن العقول الأمريكية لا تنشط بضخ الدماء وإنعاش القلوب والأحاسيس العاطفية. ليست سوى مجموعة شركات تتنافس من المزيد من الأرباح. زاد جشعها وطمعها. تسعى وراء المال والجاه. ولا تهمها أرواح البشر أمريكية كانت أم أجنبية..
لم تعد تخطط فقط لمشاركة الدول الخليجية والشرق الأوسطية خيراتها، وثرواتها المعدنية والفلاحية والبحرية والنفطية، بدعوى الدعم والحماية والتوجيه. ولم تعد تسعى فقط وراء نشر وباء الجهل والأمية في صفوف شعوب تلك الدول. ولا حتى جلب واستدراج كوادرها وكفاءاتها لخدمة مصالح وشؤون الأمريكيين. بل إنها تسعى إلى بناء جدار عازل بين الشعب الأمريكي وشعوب هذه الدول. لكي لا يتم التواصل والتعايش فيما بينها.
قد يقول قائل إن هناك دول باتت قوية وتزعج الأمريكيين. وأن العالم المالي والاقتصادي بات يفرض عليهم الإنصات لأنظمة دول قوية في أوربا (روسيا..)، وآسيا (الصين، الهند، اليابان، كوريا الشمالية..).. وأن الأمن والقضاء العالمي هو الآن تحت رحمة من يمتلكون حق الفيتو. ومن يمتلكون المقاعد الرسمية والدائمة داخل هيئة الأمم المتحدة. لكن المتمعن في نوعية القرارات الدولية والحركية الدائمة، يزداد تأكيدا بأن القيادة لازالت بحوزة الأمريكيين. بل يتضح جليا أن القوى الدولية الأخرى صنعت بعقول أمريكية لتنشيط (البطولة) الدورة الدموية لما يسمونه ب(الديمقراطية)، والتي يعرف الكل أنهم أول من يبادر إلى ذبحها مع كل حدث أو حادث (فلسطين، لبنان، أوكرانيا، سوريا، اليمن…). بل إنهم انتقلوا من معركة الاستغلال المباشر، إلا مرحلة الراحة والاستجمام والعمل عن بعد باستعمال أجهزة بشرية مستأجرة.