كلمة السيد رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في اختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية2022/2021
صوت الصحافة
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد الوزير
السيدات والسادة النواب
السيدات والسادة
نخصص هذه الجلسة لاختتام أشغال الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة، على مستوى الجلسات العامة، علمًا بأن مجلسَنا سيواصلُ الاشتغالَ على مستوى اللجان النيابية الدائمة والمجموعات الموضوعاتية، وفي واجهة الدبلوماسية البرلمانية.
السيدات والسادة،
نختتمُ هذه الدورة في سياق تُوَاصِل فيهِ بلادُنا بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله ترسِيخ تَمَوْقُعِها الإقليمي والقاري والدولي، كشريك دولي صادق، وموثوقٍ به وقاعدة استقرار إقليمي، منخرطٍ في بناء السلم والتعايش.
ومدعومةً بهذا الرصيد من الثقة الدولية في اختياراتها وسياساتها، تُوَاصِلُ بلادُنا تنويعَ شراكاتها وحصدَ تأييدِ المجموعة الدولية لشرعية وحدتها الترابية كما تَجَسَّدَ ذلك في قرار مجلس الأمن الأخير ذي الصلة بقضية أقاليمنا الجنوبية التي يتواصل بها تَحقيقُ مشاريعَ إنمائية رائدة ومُهيكِلَة يَنخرط فيها إخوانُنا وأَخواتُنا بهذه الأقاليم ونُخَبِها السياسية والمدنية والاقتصادية بروحٍ وطنية وَحْدَوِيةٍ تعبيراً عن الاستعداد الدائم للدفاع عن حوزة الوطن وحدوده حيثُ تقف القوات المسلحة الملكية سدّاً منيعًا تَتَكَسَّرُ عليه أوهامُ الانفصال البالية. فإلى هذه القوات وقائدها الأعلى ورئيسِ أركان حربها العامة
صاحب الجلالة الملك محمد السادس كل الامتنان والتقدير والاحترام.
الزميلات والزملاء
إذا كانت مِثلُ هذه الجلسات تُخَصَّصُ عادةً لاستعراضِ حصيلةِ أشغال المؤسسة واستشرافِ آفاقِ العمل، فإن هذه الدورة التي دشنت لولاية تشريعية جديدة، دشنت أيضا لمرحلة جديدة من حياتنا المؤسساتية على إثر تشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ منبثقةٍ من صناديق الاقتراع الذي جَرَى في 8 شتنبر 2021.
ولنا أَنْ نفخرَ في المغرب بِربحِ رهانِ انتظامِ وسَلاَسَةِ العمليات المؤسساتية، وهو ما تَحَقَّقَ بفَضل حرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله وأَيَّدَهُ على تمكين البلاد من تجديد المؤسسات احترامًا لمقتضيات الدستور، وصيانةً لنَموذجنا المؤسساتي رغم السياق البالغ الصعوبة الذي تَجْثُمُ فيه جائحةُ كوفيد 19 على مختلف مَنَاحِي الحياة في مجموع البلدان.
وبقدر ما ينبغي أن نعتدَّ ونعْتَزَّ بمراكمةِ بلادنا لهذه النجاحات المؤسساتية، وبقدرتها على التدبير الذكي للجائحة وتداعياتها، بقدر ما يُلْقي ذلك علينا في مجلس النواب بمسؤوليات جِسَام في أداء واجباتنا الدستورية والمؤسساتية والتمثيلية، بالجودة التي تَرْقَى لتحديات المرحلة، ولرهاناتِ ترسيخِ تَمَوْقُعِ بلادِنا، قوةً ديموقراطيةً صاعِدةً بالوزنِ الذي يليقُ بتاريخها العريق.
لقد تَمَثَّلْنَا، ونحن نمارسُ اختصاصاتِنا المتنوعة، محتوى الخطاب الملكي السامي الذي افتتح به صاحب الجلالة نصرَهُ الله الدورةَ التشريعيةَ، واستحضرنا التحديات التي تُواجهها بلادُنا، ورهانات المرحلة الجديدة.
وقد أكد جلالته على ثلاثة أبعاد رئيسية تحظى بالأولوية، وفي مقدمتها : i) تعزيز مكانة المغرب والدفاع عن مصالحه العليا، وضمان السيادة الوطنية بتوفير مخزون استراتيجي من المواد الحيوية، ii) وتدبير الأزمة الوبائية ومواجهة تداعياتها. وفي هذا الصدد، لا يفوتنا في مجلس النواب التعبيرُ عن الفخرِ والاعتزاز بإطلاق صاحب الجلالة الأسبوع الماضي أشغالَ إنجاز معملٍ لتصنيع اللقاح المضاد لكوفيد 19 ولقاحات أخرى، وهو صَرحٌ استراتيجي من أجل السيادة اللقاحية للمملكة وإفريقيا. إِنَّهُ عُربونٌ آخرعلى قُوَة وحكمة قيادة جلالة الملك للمغرب في ظرف عالمي جد صعب.
أما ثالث الأبعاد الذي أكد عليه جلالة الملك فيتعلق بالشروع في إِعْمَالِ النموذج التنموي الجديد باعتباره إطارًا عاما مفتوحًا للعمل بما يتيحه من آفاق عمل واسعة أمام الحكومة والبرلمان وما يُلْقِيه من مسؤوليات على النخب السياسية والاقتصادية والتقنية والثقافية.
استحضارًا لهذه الرؤية الملكية، كان علينا الإسراعُ بتمكين المؤسسة من الأجهزة التي تُدَبِّر أشغالها، وهو ما تَحَقَّقَ وِفْقَ برنامج العمل الذي يفرضه السياقُ والانتظاراتُ المجتمعية.
واسمحوا لي، الزميلات والزملاء، أن أذَكِّرَ بأن السرعة والسلاسة التي تم بها تشكيل أجهزة المجلس، أيْ بعدَ أقَلَّ من أسبوع من رئاسة جلالة الملك افتتاح الدورة التشريعية، هو في حَدِّ ذاته تقليدٌ ومكسبٌ يُحْسَبُ لجميع مكونات المجلس التي يَسَّرَت ذلك، وانخرطت فيه بروح سياسية ووطنية عالية، وهو ما يعكس، نُضْجَ منظومتنا الحزبية المرتكزة على التوافق في اللحظات الكبرى وتجنب التنازع الذي تتسم به بعض الديمقراطيات.
وقد يَسَّرَ انتخابُ هذه الأجهزة الشروعَ في أشغالنا الرقابية بالاستماع إلى البرنامج الحكومي الذي تقدم به السيد رئيس الحكومة أمام البرلمان، يوم الاثنين 11 أكتوبر 2021 ومناقشتِه والتصويت عليه من طرف مجلس النواب، ومنح الثقة للحكومة، في الوقت المناسب.
وقد شكلت مناقشةُ هذا البرنامج لحظةً مؤسساتيةً وسياسيةً مَفْصَليةً بالغةَ الأهمية، ومناسبةً لنقاشٍ وحوارٍ ديموقراطِيٍ مثمرٍ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ساهمتْ فيه المعارضةُ البرلمانيةُ والأغلبية وأَشَّرَ على تَمَيُّزِ نموذجِنا المؤسساتي.
وتلى ذلك مناقشةُ مشروع قانون المالية برسم السنة المالية 2022، باعتباره آليةً ضرورية لتدخلاتِ الدولة وتنفيذِ السياسات العمومية، وذلك في احترام تام للمواعيد الدستورية والتشريعية.
وكانت مناقشةُ هذا المشروع فرصةً لنقاشٍ عميقٍ وتفاعلٍ مثمرٍ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أَثْرَى، من جهة، النقاشَ العمومي حول عدد من القضايا الحيوية لبلادنا، وساهم، من جهة أخرى، في تجْويدِ مقتضيات المشروع الذي اغتنى بالتعديلات المقدمة على النص، وتم التوافق حول 32% منها، بعد نقاش عميق في إطار لجنة المالية.
وتعكسُ هذه السَّلَاسَةُ في عَمَلِنَا البرلماني، التعاونَ بين السلطتين التشريعية والتنفيذيةَ، وإرادةً جماعية من أجل ترشيد وعقلنة تدبير الزمن السياسي والبرلماني باعتباره عاملا حاسمًا في مسار التنمية، والتجاوب مع انتظارات الرأي العام، واحترام اختياراته، واستحضار التحديات الضاغطة التي تتطلبُ أجوبةً ملموسةً وحاسمةً، وتَوْجِيهِ الجهدِ الجماعي إلى القضايا الجوهرية للمجتمع. وإذا كان هذا الأمر يُحْسَبُ للمعارضة والأغلبية البرلمانية معًا، فإن الرابح فيه هو الوطن.
الزميلات والزملاء،
مع اقتراب اختتامِ الدورة الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة، تابعنا معًا بعضَ التقديراتِ بشأن المُنجَزِ التشريعي للبرلمان برسم المائة يوم الأولى من عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وإذا كنتُ مقتنعًا بأنني لستُ في الموقع الذي يُخَوِّلُ لي الدفاعَ عن حصيلة الحكومة وأدائِها، فإنني، بصفتي رئيسًا لمجلس النواب، معارضةً وأغلبية، مَعْنِيٌ، بل من واجبي، أن أُقَدِّمَ بعض التوضيحات والمعطيات التي قَدْ تُسْعِفُنَا في بناء الخطاب النقدي للأداء العمومي على أساس الموضوعية، والتجرد، واستعادة التاريخ، وحتى يكونَ أيُّ تقديرٍ أو استنتاجٍ مُفِيدًا في تجويد الأداء ومُحَفِّزًا على الاجتهاد.
أما أول هذه المعطيات فيتمثل في أنه، للحقيقة والتاريخ وبالعودة للولايات التشريعية الأخيرة، فإن وتيرةَ التشريع خلال هذه الدورة لم تكن أقل سرعةً مما هو مؤرخ له في ذاكرة البرلمان المغربي ؛ إذ صادقنا على سبعة عشر نصًّا علمًا بأن قانون المالية يأخذ، عادة، المساحة الأوسع من التشريع خلال الدورات الأولى.
ومن جهة أخرى، ينبغي التذكير بأهمية المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس، إذ بلغ عدد مقترحات القوانين المحالة، إلى حدود أمس الثلاثاء، 69 مقتَرحًا. وسنحرص في أجهزة المجلس على إخضاع المبادرات التشريعية للسيدات والسادة أعضاء المجلس للمساطر المعمول بها إعمالا للدستور والنظام الداخلي وحفظا لحقوق أعضاء المجلس في التشريع، وإيمانا منا بأهميتها في تطوير التشريعات الوطنية.
ثاني المعطيات يتمثل في أنَّه، في الثقافات البرلمانية الجديدة، والممارسات البرلمانية الجديدة، أصبحت البرلماناتُ في البلدان ذات التقاليد الديموقراطية العريقة، تميلُ أكثرَ إلى الرقابة على العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية وأداءِ وَمردوديةِ وَوَقْعِ هذه السياسات وتتبع تنفيذ القوانين وأثرها. وهذا استنتاجٌ حَاصِلٌ في الممارسة البرلمانية المغربية أَيضًا، خاصة خلال الولاية التشريعية السابقة. وهو نفس التوجه المسجل خلال هذه الدورة، كما سأوضح ذلك لاحقا.
ثالث المعطيات يتمثل في حقيقة أن مجلس النواب كان خلال هذه الدورة إطارًا وفضاءً للتداول، ومناقشةِ قضايا ذاتِ راهنيةٍ كبرى في سياقِنا الوطني، سواء على مستوى اللجان النيابية الدائمة، وهي تمارس اختصاصَها الرقابي، أو على مستوى الجلسات العمومية. وعلينا أن نعتزَّ، بأن هذا النقاش الذي أثْرتْهُ المعارضةُ والأغلبيةُ والحكومة، جعلَ انتظاراتِ المجتمع، والرَّاهِنِ اليومي للناس، في صلب اهتمامات مجلس النواب الذي يتعينُ عليه دومًا التجاوبُ مع هذه الانتظارات، إِذْ إِنَّ الإطارات الملائمة للتداول في هذه الانتظارات، وإيجادِ الحلول لقضايا المجتمع، هي المؤسسات، ومنها، بالطبع، المؤسسة التشريعية، تعزيزًا للثقة فيها.
وإذا كانت العِبْرَةُ في انتاجنا البرلماني هي بجودة التشريع وأَثَرِه، وتفاعلِ المؤسسة التشريعية مع قضايا المجتمع في ممارسة الاختصاص الرقابي والتقييمي، فإن قراءةً في المواضيعِ التي شكلت محاوِرَ رقابةٍ من طرفِ المجلسِ على مستوى اللجان النيابية، كما على مستوى الجلسات العامة، تُبَيِّنُ تَوجُّهًا عَامًّا إلى دراسة قضايا اجتماعية ذات راهنية، بما في ذلك 1) أوراش تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية وتجويد الخدمات الصحية في علاقتها بجائحة كوفيد، 2) والتربية والتعليم و3) التشغيل و4) العدل، و5) القطاعات المتضررة من استمرار الجائحة كالسياحة والثقافة و6) الفلاحة والعالم القروي في علاقتهما بالماء وَشُحُّ التساقطاتِ المطرية.
وقد تقاطعت في اختيار هذه المواضيع، التي بلغ عددها على مستوى اللجان، أكثر من أربعين موضوعًا، اقتراحاتُ الأغلبيةِ والمعارضة، فيما بلغ عددُ الأسئلة التي تمت مناقشتُها في صيغةِ محاورَ مع السيد رئيس الحكومة خلال الجلسات الشهرية المخصصة للسياسات العامة، عشرة أسئلة. وبلغ عدد الأسئلة الشفوية التي أجاب عنها أعضاء الحكومة، في ثلاثة عشر جلسة، 276 سؤالاً منها 131 سؤالًا آنيًا، وعدد الأسئلة الكتابية 2019.
الزميلات والزملاء،
لقد حرصنا في إطار مكتب مجلس النواب ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية على الإسراع بالتوافق حول السياسات العمومية التي ينبغي أن تكونَ موضوعَ تقييمٍ طبقًا للفصل 70 من الدستور برسم السنة التشريعية 2021-2022. فترسيخًا لممارسة هذا الاختصاص البرلماني، وانخراطا من المجلس في رؤية صاحب الجلالة، اعتمدنا عمليات تقييم متعددة القطاعات ستتناول السياسات العمومية المتعلقة بكل من i) خطة إصلاح الإدارة العمومية وii) مخطط المغرب الأخضر وiii) السياسة المائية.
وتكتسي هذه السياسات راهنية كبرى في السياق الوطني والجيوسياسي وتقع في قلب الرهانات الحاسمة في القرن 21.
وقد وَقَعَ التوافقُ على أن تكونَ حصيلةُ خطةِ إصلاح الإدارة العمومية إحدى السياسات موضوع هذا التقييم استنادا إلى ما هو منصوص عليه في دستور المملكة بشأن ضرورة إخضاع “المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية…”، ومُتَمثِّلين كمرجعية سياسية، توجيهاتِ ورؤيةِ صاحبِ الجلالةِ نصرهُ الله، الذي ما فتئ يؤكد حرصه السامي “على التكريس الدستوري للحكامة الجيدة، كمبدأ لاَ مَحِيدَ عنه في تنظيمِ وتدبيرِ المرافق العمومية، بما ينطوي عليه من مبادئ الاستحقاق والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص، بين جميع المغاربة…” انتهى كلام جلالة الملك.
وقد أطلقنا عملية التقييم هاته بِعِدَّةِ رهانات منها :
رهانُ جعل المرفق العمومي في خدمة المواطنات والمواطنين والفاعلين الاقتصاديين، ومُيَسِّرًا للاستثمار. وقد استحضرنا في هذا السياق دعوةَ
صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى “وضع مفهوم الخدمة العمومية، في صلب النموذج التنموي الجديد من خلال إصلاح شامل وعميق للإدارة العمومية”.
رهانُ الشفافيةِ ودَمَقْرَطَةِ الولوجِ إلى خدماتِ المرفق العمومي باعتباره من حقوق المواطنة.
رهانُ التحديثِ والرَّقْمَنةِ وجعلِ الإدارة في صُلْبِ ديناميةِ التنمية وجعلِ أدائها مستجيبًا لحاجيات المجتمع في القرن 21، والحرص على ألَّا نُفَوِّتَ الثورة الرقمية العالمية ومكتسباتِها.
ويندرج اختيار مخطط المغرب الأخضر ليكون سياسةً ثانية يُخْضِعُها مجلس النواب للتقييم، في إطار رؤية صاحب الجلالة الذي شدد في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحالية على “ضرورة إحداث منظومة متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد”.
ويرتبط مخطط المغرب الأخضر ونتائجه وَوَقْعُ إنجازه مباشرة بالأمن الغذائي الذي لا تخفى مكانته بين القضايا الجيوسياسية راهنًا ومستقبلا في رسم الخريطة الدولية، وفي نفوذ الدول وقوتها التفاوضية واستقلالية قراراتها واقتداراها.
وإذا كانت بلادنا تفخرُ بتقاليدها الفلاحية العريقة، فإنها اليوم قوةٌ خضراء صاعدة، ليست مصدر غذاء للمغاربة فحسب، ولكنها تتقاسم خيراتها وخبراتها مع العديد من الأمم.
ويقودنا تقييم مخطط المغرب الأخضر جدليا إلى تقييم سياساتنا المائية من حَيْثُ التعبئةُ والاستعمالاتُ، والوسائلُ المسخرة لذلك وآفاقُ وآلياتُ ضمان أمننا المائي باعتباره من أمننا الاستراتيجي والغذائي، وباعتبار توفير المياه من رهانات الأمم علمًا بأن حتى النظريات الاستراتيجية الأكثر تفاؤلًا لا تُسقط الصراع على المياه، من قائمة أسباب التوترات والنزاعات الإقليمية والمعضلات الداخلية للدول.
السيدات والسادة،
في واجهة العلاقات الخارجية واصلت مكونات وأجهزة المجلس تعبئَتها، على أساسِ اليقظة والاستباق، ووفق عقيدة الدبلوماسية الوطنية، من أجل قضايانا الحيوية وفي مقدمتها قضيةُ وحدتنا الترابية، في الإطارات الثنائية ومتعددة الأطراف.
وهكذا شارك المجلس في الدورة 143 للجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي المنعقدة في نونبر 2021 بمدريد، والتي كانت مناسبة أجرينا خلالها، رفقة أعضاء الشعبة الوطنية، مباحثاتٍ مع عدد من نظرائنا في القارات الخمس.
وشارك المجلس أيضًا في أشغال مؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي والجمعية البرلمانية لبلدان جنوب شرق آسيا، ومكتب الجمعية البرلمانية للفرنكفونية. وكانت مشاركات مجلس النواب مناسبات للترافع عن مصالح بلادنا والتعريف بالإصلاحات التي تنجزها والدفاع عن قضايا السلم والاستقرار والعدالة المناخية.
وتقديرًا لمساهمته التأسيسية والنوعية في الآليات البرلمانية الأرومتوسطية، تَوَلَّيْنا منذ فاتح يناير 2022 رئاسةَ الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط التي تعتبر الذراع البرلماني للشراكة الأورو-متوسطية التي تحظى فيها بلادُنا بمكانةٍ هامة ومُقَدَّرة.
وقد حرصنا على هيكلة الشُّعَبِ الوطنية في المنظمات مُتَعَدِّدَةِ الأطراف وأعْدَدْنا تصورًا جديدًا بشأن هيكلة مجموعاتِ الصداقة البرلمانية، في إطار التنسيق والتعاون مع زملائِنا في مجلس المستشارين.
وفي إطار تنويع برامج الشراكة والتعاون الدولي تعززت شراكة المجلس مع الاتحاد الأوروبي وعدد من البرلمانات الوطنية الأوروبية والجمعية البرلمانية لمجلس أروبا، إذ تمت الموافقة على مشروع توأمة مؤسساتية جديدة مُمَوَّلَةٍ من الاتحاد الأوروبي مع سبع مؤسسات تشريعية أروبية تقودها الجمعية الوطنية الفرنسية وبشراكة مع مجلس النواب التشيكي ومجلس النواب البلجيكي وبدعم من مجلس النواب الإيطالي والبرلمان اليوناني وجمعية الجمهورية بالبرتغال والجمعية الوطنية الهنغارية.
وتعتبر هذه التوأمة عربونَ ثقةٍ وصداقةٍ، وهي تجسيدٌ لإرادة التعاون بين مجلسنا والبرلمانات الوطنية الأروبية، وتتكامل مع برامج تعاون أخرى مع مؤسسات في الفضاء الانجلوساكسوني ومنه الأمريكي، ومن شأنها تيسيرُ الحوار مع هؤلاء الشركاء وتبادل الخبرات والزيارات والمهام الدراسية، والتعرف المتبادل على الممارسات البرلمانية.
السيدات والسادة،
عَدَا تعليق الجلسات العمومية، سنواصل أشغالنا على مستوى اللجان النيابية الدائمة ومجموعات العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم السياسات العمومية وغيرها، والدبلوماسية البرلمانية، والاشتغال على الأوراش التي فتحناها، ومنها تعديلُ النظام الداخلي للمجلس.
وسنواصلُ الحوارَ البَنَّاءَ والناجع في إطار أجهزة المجلس ومكوناته السياسية استعدادًا للدورة المقبلة التي نتوقع أن برنامجَ عملِها سيكون غنيا خاصة من حيث الانتاج التشريعي.
في انتظار ذلك أود أن أتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم في تحقيق ما أنجزناه في هذه الدورة ؛ وأخص بالذكر السيد رئيس الحكومة وأعضاءَها، ومكونات المجلس، معارضةً وأغلبية، على تيسيرهم لأعمال المجلس ومساهمتهم القَيِّمَة في إثرائها، عربونًا على الانخراط الجماعي في مسيرة التنمية وترسيخ ركائز المؤسسات والديمقراطية والالتفاف خلف صاحب الجلالة، أعزه الله، من أجل رفع التحديات وربح الرهانات.
ونفس عبارات الشكر أُجزيها لمسؤولي وأطر وموظفات وموظفي المجلس على عطائهم ورجال الأمن وأفراد القوات المسلحة الملكية ورجال المطافئ المنتدبين بالمجلس على تعبئتهم الدائمة لتوفير المناخ الملائم لأعمالنا، دون أن أنسى المستخدمات والمستخدمين المكلفين بالنظافة والتوزيع على تجندهم الدائم للمساعدة، كما أشكر نساء ورجال الإعلام على مواكبتهم لأشغال المجلس تحليلا وتعليقًا ونقدًا.