كلمة السيد رئيس الحكومة الجلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب حول موضوع : التوجهات الكبرى للسياسة السياحية ببلادنا
صوت الصحافة

صوت الصحافة
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة الوزراء،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
يسعدني أن ألتقي بكم مجددا، تطبيقا لأحكام الفصل 100 من الدستور، القاضي بمواكبة قضايا السياسة العامة، للإجابة عن أسئلة السيدات والسادة النواب المحترمين، وهي مناسبة ستمكننا لا محالة من تعزيز التواصل بين الحكومة والبرلمان حول القضايا الكبرى ذات الراهنية.
وهو ما نحرص عليه، بكل صدق ومسؤولية، باعتبار الحكومة والبرلمان شريكين في خدمة الوطن، ما يقتضي تعميق النقاش والحوار المتبادل بشكل حضاري ومسؤول، والتفاعل الإيجابي مع مختلف التحديات والقضايا الكبرى التي تواجهها بلادنا، بما يستجيب للرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، ويحقق تطلعات شعبه الوفي.
واسمحوا لي في البداية، أن أنوه باختياركم حضرات السيدات والسادة النواب المحترمين، لموضوع “التوجهات الكبرى للسياسة السياحية ببلادنا” محورا لهذه الجلسة.
وهو الموضوع الذي يكتسي أهمية خاصة، بالنظر للمكانة التي يحتلها هذا القطاع في النسيج الاقتصادي الوطني، باعتباره رافعة استراتيجية للنمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل اللائق والمستدام.
فالحكومة ومنذ تنصيبها كانت على وعي تام بأن القطاع السياحي تأثر كثيرا بفعل الإغلاقات المتتالية خلال مرحلة الجائحة، ولذلك كنا مطالبين بجعل القطاع ضمن أجندة الأولويات الحكومية لاسترجاع عافيته وأدواره الاقتصادية والاجتماعية.
خاصة وأن الواقع أثبت أن القطاع كان يحتاج لتدخل حكومي مستعجل، وتوفير الدعم اللازم والتأقلم بمرونة مع التقلبات الاقتصادية العالمية المضطربة، وانخراط كافة الفاعلين عبر خطة شاملة ومنسجمة للنهوض بهذا القطاع الحيوي ضمن منظومة الاقتصاد الوطني.
وهو ما دفعنا في الحكومة للاهتمام بشكل متواصل بهذا القطاع، نظرا لطابعه الاستراتيجي، وذلك من خلال العمل وفق رؤية متجددة وطموحة على تطوير العرض السياحي المغربي وتنويعه، وتثمين المؤهلات السياحية في مختلف جهات المملكة في إطار اللامركزية، التي اتخذتها بلادنا كآلية ومحفز للتنمية المجالية.
خاصة وأن بلادنا اليوم انتقلت إلى السرعة القصوى لبناء “مغرب المستقبل”، ومواصلة مسارها التنموي، من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، مع ما يستلزمه الأمر من التشبث بـ”الجدية” و”المعقول” بالمعنى المغربي الأصيل.
ولأننا ندرك تمام الإدراك الحضور القوي للسياحة المغربية في المواعيد الدولية الكبرى المزمع تنظيمها ببلادنا، نؤكد أمامكم حضرات السيدات والسادة أن هذه الحكومة معبأة ومستعدة لإرساء منظومة متكاملة وشمولية وبتنسيق تام مع مختلف الفاعلين، حتى تكون المملكة جاهزة في المستقبل القريب لاحتضان كل التظاهرات العالمية بشكل يكرس الصورة المشرفة لبلادنا على المستوى الدولي.
ومن هذا المنطلق، كانت قناعتنا على الدوام أن تطوير قطاع السياحة يعد شرطا أساسيا لتعزيز التنمية المجتمعية والاقتصادية في المناطق الحضرية والقروية على حد سواء، من خلال تعزيز البنيات التحتية السياحية، من طرق ومرافق وخدمات، بما يساهم في تحسين جودة الحياة في مختلف مناطق المملكة.
وإذ نراهن في الحكومة على تنزيل رؤية تنموية شاملة للمغرب في أفق 2030، فإننا نسعى لتكون السياحة في قلب هذه الرؤية، من أجل فتح آفاق جديدة للتنمية المتوازنة في جميع أرجاء المملكة.
ذلك أن قناعتنا هي أن بناء “مغرب المستقبل” يتطلب منا جميعا أن نعمل على تطوير وتجويد جميع روافع السياحة المغربية، لنجعلها ركيزة أساسية من ركائز التنمية الشاملة والمستدامة التي يريدها جلالة الملك، نصره الله، للمغاربة قاطبة.
ومن هذا المنطلق، فإن المقاربة الحكومية لتطوير القطاع كانت على الدوام مقاربة أفقية شاملة متعددة الأبعاد، متداخلة مع باقي القطاعات والسياسات الحكومية الأخرى، ولم تكن أبدا مقاربة قطاعية كلاسيكية تتعاطى مع هذا القطاع بشكل معزول، وتربطه فقط بتأهيل الفنادق والمنتزهات.
ونتيجة لهذه المقاربة الفعالة، يحق لنا اليوم أن نفتخر بالإنجازات المبهرة والاستثنائية التي حققها قطاع السياحة في هذه الولاية الحكومية، حيث استطاعت بلادنا استقطاب 17.4 مليون سائح في سنة 2024، كإنجاز تاريخي وغير مسبوق.
وهو الإنجاز الذي سنفصل فيه في هذا العرض، والذي يعكسه كذلك تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي منح بلدنا، مؤخرا، تقييما متميزا في أفق تنظيم بلادنا لكأس العالم 2030، وهذا مصدر فخر لنا جميعا.
حضرات السيدات والسادة،
إن هذه الإنجازات ما كان لها أن تتحقق لولا مجموعة من الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة في لحظات مفصلية فارقة. ففي الأشهر الأولى لتعيين هذه الحكومة، بادرنا بشكل إرادي لتنفيذ خطة إنعاش غير مسبوقة غايتها دعم الفاعلين، والحفاظ على مناصب الشغل، وتثمين المنتوج المغربي والارتقاء بالتكوين.
ومن باب التذكير، فقد عملنا بشكل تشاركي مع المهنيين ومختلف المتدخلين في القطاع، على تنفيذ مخطط استعجالي بقيمة 2 مليار درهم، في عز الأزمة الصحية العالمية، في سابقة هي الأولى من نوعها ببلادنا، لمواكبة التعافي والإقلاع الاقتصادي، وهو ما مكن من إنقاذ القطاع من الانهيار وإنعاشه، في ظرفية اقتصادية عالمية صعبة وقاسية.
وتفعيلا للرؤية الملكية الرامية إلى تطوير القطاع السياحي وتعزيز تنافسيته، أطلقت الحكومة “خارطة الطريق السياحية 2023-2026″، التي تم إنجازها بفضل التعبئة الشاملة والانخراط الكامل من جميع الفاعلين والمتدخلين، سواء من القطاعين العام أو الخاص.
وهي الاستراتيجية الطموحة التي رصدنا لها غلافا ماليا لا يقل عن 6 ملايير درهم، بهدف تحفيز آليات تنمية النشاط السياحي، وتعزيز الطلب، وهو ما نعول عليه لتعزيز جاذبية وجهة المغرب كقطب سياحي عالمي.
وفي هذا الصدد تم تحديد 9 سلاسل موضوعاتية و5 سلاسل أفقية تهدف إلى تقوية مكانة المغرب السياحية. وقد تم ذلك من خلال خطة تنافسية قائمة على عدة روافع أساسية، ترتكز على:
وضع مخطط لمضاعفة سعة النقل الجوي، لتيسير وصول السياح إلى مختلف المناطق؛
تعزيز الترويج والتسويق السياحي مع إيلاء اهتمام خاص للرقمنة، وذلك بهدف تحسين آليات التواصل مع السوق المستهدفة؛
تنويع منتجات التنشيط الثقافية والترفيهية، مع تعزيز دور المقاولات الصغرى والمتوسطة في هذا المجال؛
تأهيل الفنادق وإحداث قدرات إيوائية جديدة تواكب الطلب المتزايد على خدمات الإقامة؛
تعزيز الرأسمال البشري من خلال توفير إطار جذاب للتكوين والتأهيل المهني، لضمان جودة خدمات القطاع وفتح آفاق مهنية للشباب.
من جهة ثانية، انخرطت الحكومة في توقيع عقود تطبيقية في إطار تنفيذ خارطة الطريق السياحية على المستوى الجهوي، وذلك بهدف تعزيز العرض السياحي عبر مختلف الجهات. وتشمل هذه العقود مشاريع تهدف إلى تطوير البنية الفندقية، ورفع الطاقة الاستيعابية، وتحسين العرض السياحي في المناطق المستهدفة.
حضرات السيدات والسادة،
ولاغتنام الفرص المتاحة أمامنا، وتوفير الشروط اللازمة للتنزيل الأمثل لأهداف خارطة الطريق السياحية، كنا على وعي تام بأن تعزيز مكانة بلادنا كوجهة سياحية مميزة على المستوى العالمي، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الرهان على التسويق والترويج بشكل جيد للوجهة المغربية.
وإذ نستحضر ونعتز بالإشعاع الكبير الذي استفادت منه بلادنا، نظير التألق المبهر لمنتخبنا الوطني في منافسات كأس العالم لكرة القدم – قطر 2022، فإن الحكومة، وبالموازاة مع هذا الإشعاع، أطلقت العديد من المبادرات التي تسعى لإبراز جمال وثقافة المملكة، وجذب المزيد من السياح من مختلف أنحاء العالم.
وتشكل حملة “المغرب أرض الأنوار” أبرز هذه المبادرات، والتي جابت مجموعة من الدول في نفس الوقت، من خلال وسائل الإعلام الرقمية والشاشات العملاقة في العواصم العالمية الكبرى. إضافة إلى حملة “نتلاقاو في بلادنا” لتشجيع السياحة الداخلية.
كما شملت هذه الجهود توقيع شراكات استراتيجية مع منظمي الأسفار، حيث تم التعاقد على إجمالي 2 مليون مسافر مع منظمي الرحلات سنة 2024، ما يمثل زيادة بنسبة 38% مقارنة مع سنة 2023.
كما قامت الحكومة عبر المكتب الوطني للسياحة بإطلاق مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تنويع وتعزيز الترويج السياحي، مما ساهم في تأمين نسبة مهمة من الليالي المسجلة داخل مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة، وهو ما يعكس النجاح المستمر في جذب المزيد من السياح إلى المغرب ويعزز قدرة القطاع السياحي على استقطاب الأسواق الجديدة.
وفي إطار الجهود الحكومية المبذولة لتسهيل وفود السياح الأجانب، عملنا على الرفع من وتيرة التمكين من الحصول على التأشيرة الإلكترونية، فخلال الفترة الممتدة من يوليوز 2022 وإلى غاية نهاية سنة 2024، أصدرت المملكة ما مجموعه 386 ألف تأشيرة إلكترونية، %95 منها كانت من أجل السياحة.
وإذ نعي جيدا أهمية التسويق وتنويع العروض وتجويد الخدمات المقدمة لزوار المغرب، فإننا في مقابل ذلك ندرك تمام الإدراك أن أهداف خارطة الطريق السياحية لن تتحقق دون الرهان على تطوير النقل الجوي الوطني، وتنويع شركائنا في القطاع.
حيث ساهمت الجهود المبذولة ضمن إطار خارطة الطريق السياحية 2023-2026، وخصوصا في مجال النقل الجوي، بشكل كبير في تحقيق رقم قياسي من حيث عدد الوافدين.
فقد سجلت سنة 2024 زيادة بنسبة 30% في عدد المقاعد الجوية المتعاقد عليها من قبل المكتب الوطني المغربي للسياحة، بزيادة 3.5 ملايين مقعد إضافي مقارنة بسنة 2023، ما أسهم في رفع السعة الإجمالية للمقاعد الجوية بنسبة 20%.
علاوة على ذلك، عمل المكتب الوطني للسياحة على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الخطوط الملكية المغربية، حيث تم توقيع اتفاقية لمدة ثلاث سنوات تهدف إلى زيادة عدد المقاعد المتاحة وإنشاء خطوط جوية جديدة، وهو ما يعكس التزامنا الدائم بتعزيز قطاع النقل الجوي الوطني.
فضلا عن الجهود الرامية إلى تطوير الشراكات على مستوى الربط الجوي بهدف الرفع من الرحلات المباشرة، لاسيما من الأسواق المصدرة ذات المؤهلات القوية، لمواصلة الزخم الذي شهدته سنة 2024 على هذا الصعيد.
حيث تم التعاقد على 11.4 مليون مقعد مع شركات الطيران، ما يمثل 87 % من القدرة الإجمالية للنقل المباشر في جهات المملكة، تنضاف إلى الرحلات الاعتيادية التي تهم قطب الدار البيضاء، وإنشاء خطوط جديدة غير مسبوقة وربطها مع مختلف المطارات الوطنية.
وفي خطوة مهمة نحو تطوير الشراكات الدولية، تم توقيع شراكة غير مسبوقة مع واحدة من أكبر الشركات العالمية للطيران، بهدف مضاعفة عدد المسافرين من 4,5 مليون إلى أكثر من 10 ملايين مسافر بحلول عام 2027.
وهو ما مكن من إطلاق 24 خطا جويا دوليا جديدا، إلى جانب فتح 11 خطا داخليا جديدا للربط بين مدن مغربية مهمة، مما ساهم في تعزيز ربط مجموعة من المطارات على غرار ورزازات والصويرة والرشيدية، ومنح دفعة قوية للسياحة الداخلية.
حضرات السيدات والسادة،
لقد سعت الحكومة بكل ما تملكه من إمكانيات إلى إعطاء أولوية كبيرة لتحفيز الاستثمار في القطاع السياحي، حيث عملنا على إطلاق برنامج “GO سياحة” من أجل تعزيز دينامية القطاع وتحسين تنافسية المقاولات السياحية.
وهو البرنامج الذي رصدنا له ميزانية تصل إلى 720 مليون درهم، والذي يستهدف 1.700 مقاولة، خلال الفترة ما بين 2023 و2026، ويتمحور حول ثلاث آليات رئيسية:
آلية “استثمار سياحة”: التي تهدف إلى دعم المشاريع السياحية التي تركز على التنشيط السياحي، حيث يصل الدعم إلى 35% من الاستثمار في المشاريع التي تتراوح قيمتها بين 1 و10 مليون درهم.
آلية “مواكبة سياحة”: التي تهدف إلى مساعدة المقاولات في تحسين استراتيجياتها، وتطوير أدائها المالي، بالإضافة إلى تبني التحول الرقمي وتوسيع أسواقها.
آلية “تطوير النمو الأخضر سياحة”: عبر دعم المشاريع المستدامة، من خلال تقديم منح تصل إلى 40% من قيمة الاستثمار.
وارتباطا دائما بالاستثمار، تعمل الحكومة من خلال اللجنة الوطنية للاستثمارات، على دعم المشاريع السياحية. حيث نسجل الإقبال الكبير الذي تعرفه بلادنا من طرف المستثمرين في القطاع السياحي، آخرهم تكتل من كبار المستثمرين العالميين ممن اختاروا محطة الصويرة موكادور لتعزيز استثماراتهم، بقيمة 2.3 مليار درهم، إضافة إلى مشاريع أخرى لا تقل أهمية في عموم جهات المملكة، في إطار سعي الحكومة لتحقيق العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات السياحية.
وإن اختيار مختلف العلامات الدولية توطين استثماراتها السياحية بالمغرب، ليس وليد الصدفة، بل هو اختيار صائب، بالنظر للمؤهلات الهامة والكبيرة التي توفرها بلادنا، ونذكر منها:
أولا، لأن المغرب ينعم، بفضل صاحب الجلالة، أعزه الله، ببيئة ملائمة بفضل استقراره وأمنه وبنيته التحتية الحديثة.
ثانيا، الميثاق الجديد للاستثمار: فبفضل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة، نصره الله، أتاح هذا الميثاق للمستثمرين الأدوات الجوهرية لتحفيز مشاريعهم وتأمينها.
ثالثا، صندوق محمد السادس للاستثمار: الذي صمم لتنشيط الاقتصاد المغربي عبر جذب رؤوس الأموال الخاصة ودعم القطاعات الاستراتيجية، ومن بينها القطاع السياحي.
هذا بالإضافة إلى إطلاق برامج أخرى تهدف إلى تحفيز الاستثمار في القطاع السياحي، حيث تم وضع بنك للمشاريع السياحية الذي يتضمن أكثر من 200 تصنيف للمشاريع موزعة على مختلف المؤهلات السياحية لكل جهة على حدة، وهو ما سيسهل على المستثمرين الوصول إلى الفرص المتاحة وتنفيذ مشاريعهم بشكل فعال.
كما تم التركيز على تأهيل العرض الفندقي، الذي يأتي ضمن أولويات الحكومة باعتباره جزءا من رؤيتنا الشاملة لتعزيز القطاع السياحي وتوفير بنية تحتية قادرة على الاستجابة للنمو المستمر في أعداد الزوار.
وفي هذا الإطار، أطلقت الحكومة برنامج “”CAP Hospitality، الذي يمثل نقلة نوعية في تمويل وتأهيل مؤسسات الإيواء السياحي، حيث يوفر قروضا ميسرة تتحمل الحكومة فوائدها بالكامل مع تقديم تسهيلات تصل إلى 12 سنة لتسديد القروض وتأجيل أول دفعة لسنتين، مما يعكس اهتمام الحكومة بتحفيز الاستثمار في هذا المجال.
وقد استهدف البرنامج تأهيل 25.000 غرفة، كما تم تسجيل، وإلى حدود اليوم، 165 طلبا للاستفادة من هذه الآلية من طرف مؤسسات الإيواء السياحي.
إلى جانب ذلك، ركزت الحكومة على دعم المؤسسات الفندقية المغلقة أو المتهالكة خاصة في مناطق مثل ورزازات وزاكورة، حيث تم تخصيص ميزانية بقيمة 80 مليون درهم لتأهيل أزيد من 1.000 غرفة موزعة على 13 وحدة.
ولعل الاهتمام الذي توليه الحكومة للقطاع السياحي كان له الأثر الإيجابي على تكريس الثقة لدى المستثمرين في الفرص المتاحة لتطوير السياحة الوطنية، الشيء الذي مكن القطاع من جذب استثمارات تجاوزت قيمتها 8 مليار درهم خلال سنة 2024. والتي ستوجه خصوصا للرفع من القدرات الإيوائية والخدمات السياحية.
حضرات السيدات والسادة،
إن قناعتنا كانت على الدوام، أن أي قطاع اقتصادي لا يعتمد نجاحه فقط على البنيات التحتية أو الخطط الاستراتيجية، بل يرتهن أساسا وقبل كل شيء بالاستثمار في العنصر البشري، الذي يعد منطلق ومنتهى التنمية الحقيقية ومحركها الأساسي، خاصة في قطاع حيوي كالسياحة، الذي يمثل نافذتنا للعالم ومرآة هويتنا.
لهذا، جعلنا من تنمية الكفاءات البشرية محورا أساسيا في خارطة الطريق الاستراتيجية للسياحة، بهدف تكوين جيل جديد من المهنيين القادرين على النهوض بالقطاع إلى آفاق جديدة.
وفي هذا السياق، أطلقنا برنامجا طموحا في يوليوز 2024 يعتمد على المصادقة على الخبرات المكتسبة للعاملين في القطاع السياحي.
ونتطلع إلى أن يستفيد منه أكثر من 7.500 شخصا خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى 2026، مما سيسهم في تعزيز الاحترافية والارتقاء بجودة الخدمات السياحية.
هذا، وأولت الحكومة عناية خاصة للتكوين، إدراكا منا لدوره كرافعة أساسية لتطوير الكفاءات، أطلقنا برامج مبتكرة مثل برنامج “أفق التميز”، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل 12 مؤسسة للتكوين المهني الفندقي وفقا لمعايير دولية، في إطار شراكة نموذجية بين القطاعين العام والخاص.
إلى جانب ذلك، أطلقنا برنامجا مخصصا لتأهيل أطر التسيير المتوسطة، يستهدف تكوين 9.000 تقني متخصص بمستويات عالية، وبرنامج التكوين المستمر من أجل تميز، الذي سيوفر فرص تدريب متميزة لأكثر من 8.000 مستفيد.
حضرات السيدات والسادة،
بفضل مختلف الجهود المتواصلة التي بذلتها الحكومة من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات المدروسة، تمكن قطاع السياحة ولله الحمد من استعادة نشاطه وتسجيل تحولات إيجابية كبيرة.
واليوم، يحق لنا أن نفتخر بتسجيل بلادنا لإنجاز كبير وغير مسبوق، من خلال استقبال 17.4 مليون سائح خلال سنة 2024، محققا بذلك الهدف الطموح لأفق 2026، قبل موعده المحدد بسنتين.
هذه الانتعاشة التي عرفها قطاع السياحة سنة 2024 بزيادة نسبتها 20% مقارنة بسنة 2023 همت السياح الأجانب الوافدين بارتفاع نسبته 23% وكذلك المغاربة المقيمين بالخارج بنسبة 17%.
كما تمكنت بلادنا في 2024 لوحدها من استقطاب 3 ملايين سائح إضافي مقارنة بسنة 2023، في مقابل 3.2 مليون سائح إضافي في الفترة الممتدة ما بين 2010 و2019 بأكملها.
علما أن النتائج المحققة سنة 2024 تتجاوز أرقام سنة 2019 بنسبة 35 %، مما يبرز فعالية خارطة الطريق السياحية، ويجعل من بلادنا أول وجهة سياحية في إفريقيا، وهذا مصدر فخر لنا جميعا.
من جهة أخرى، فقد أسهمت مختلف السياسات الحكومية في تكاملها في ضمان استدامة الانتعاش السياحي بوتيرة ثابتة، أدت إلى تحسين ملموس في المؤشرات الأساسية للقطاع.
حيث ساهم قطاع السياحة في عام 2023، في إحداث 25 ألف منصب شغل جديد، مسجلا ارتفاعا ملحوظا بنسبة ٪25، مقارنة مع الهدف المحدد في خارطة الطريق.
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمون،
إن رهاننا على السياحة الخارجية، لم ينسينا الاهتمام بدعم السياحة الداخلية، باعتبارها ركيزة أساسية في القطاع السياحي ببلادنا، وقد ازدادت أهميتها بشكل لافت خلال الأزمة الصحية، حيث أظهرت قدرتها الفائقة على تعزيز مناعة القطاع السياحي وتمكينه من الصمود في وجه الأزمات.
وخلال سنة 2024، تم تسجيل 8,5 مليون ليلة مبيت للمواطنين المغاربة في الفنادق المصنفة، مما يمثل 30% من مجموع ليالي المبيت، ليحتل السائح المغربي المرتبة الأولى، متفوقا بذلك على كل الجنسيات الأجنبية، حيث تعكس هذه النسبة الدور المحوري للسائح الوطني في دعم انتعاش القطاع السياحي.
وقد اعتمدت خارطة الطريق الاستراتيجية للقطاع في هذا المجال، رؤية جديدة لعرض سياحي متميز يهدف إلى تحسين تجربة الزبون، وذلك من خلال تطوير سلاسل السياحة الداخلية في المدن الساحلية وفي الفضاءات الطبيعية، والتي تهدف إلى تطوير منتجات سياحية مبتكرة لفائدة السائح المغربي.
وحرصا منها على تطوير الترابط بين الوجهات السياحية المختلفة، فقد اعتمدت الحكومة مجموعة من التدابير التي تسهم في تنشيط الترويج للسياحة الداخلية، وتطوير التنشيط السياحي، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمون،
لقد حرصت الحكومة على تطوير البنيات الأساسية من خلال تعزيز شبكة نقل حديثة ومتطورة تمكن من توفير ظروف ملائمة وسلسة لتنقل السياح ببلادنا، في إطار نظرتنا المستقبلية لمغرب 2030:
فعلى مستوى الطرق: تعمل الحكومة على تسريع إنجاز مجموعة من المحاور الطرقية، على غرار الطريق السريع تيزنيت – الداخلة، ومحور برشيد–تيط مليل، بالإضافة إلى تثليث محور الدار البيضاء–برشيد، وبرمجة مشاريع جديدة مثل الطريق السيار القاري بين الرباط والدار البيضاء، والطريق السيار كرسيف–الناظور، والطريق السيار الجديد بين أكادير وتيزنيت.
وعلى مستوى النقل السككي: وضعت الحكومة نصب أعينها تمديد الخط فائق السرعة من القنيطرة إلى مراكش على طول 430 كيلومترا.
وعلى مستوى المطارات: نعمل في إطار تنزيل خارطة الطريق السياحية على تعزيز شبكة المطارات ببلادنا، عبر توسيع طاقتها الاستيعابية بهدف بلوغ 80 مليون مسافر بحلول سنة 2035 عوض 38 مليون مسافر حاليا.
وفي إطار هذا المسعى يتم حاليا توسعة وتجهيز كل من مطارات الرباط-سلا، وتطوان، والحسيمة، إضافة إلى تهيئة المطارات بكل من فاس وطنجة ومراكش وبني ملال وزاكورة والناظور.
كما سنعمل على تطوير وتوسعة مطار محمد الخامس الدولي، من أجل بلوغ 23 مليون مسافر بحلول سنة 2030، عبر إنشاء مدرج ثالث، إضافة إلى الرفع من الطاقة الاستيعابية لمطار مراكش لاستيعاب 14 مليون مسافر متوقع بحلول عام 2030، علاوة على تجديد مطار أكادير بهدف تعزيز قدرته الاستيعابية لاستقبال ما يعادل 6,3 مليون مسافر بحلول سنة 2030.
حضرات السيدات والسادة،
وكما لا يخفى عليكم، فإن الصناعة التقليدية تلعب دورا محوريا في الترويج للمغرب وتكريسه كوجهة عالمية، بالنظر لكون المنتوج التقليدي يكتنز حمولة ثقافية وحضارية وتراثية تجعله منتوجا سياحيا بامتياز يساهم في التعريف بالهوية المغربية وإبراز خصوصياتها.
كما يعتبر القطاع رافعة مهمة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث يشغل حوالي 22٪ من السكان النشطين، ويساهم بنسبة 7٪ في الناتج المحلي الإجمالي، ويصدر حوالي مليار درهم سنويا للخارج.
علما أن القطاع يرتبط بشكل وثيق بقطاع السياحة، فما يفوق 10٪ من إجمالي نفقات السياح أثناء إقامتهم في بلادنا، عبارة عن مقتنيات لمنتجات صناعنا التقليديين.
وأخذا بعين الاعتبار هذه الأرقام المشجعة، واستنادا إلى الأهداف الاستراتيجية المحددة في خارطة طريق قطاع السياحة، واستحضارا للتظاهرات الرياضية التي ستحتضنها بلادنا (2025 و2030)، تعمل الحكومة على دعم هذا القطاع ودعم المهنيين، للارتقاء بمختلف منتوجات صناعنا التقليديين، لتلبية رغبات الأفواج السياحية المنتظر توافدها على المغرب.
وإذا كان إحداث كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، هو أولى الخطوات المتخذة في هذا الاتجاه، مع ما يعكسه ذلك من اهتمام خاص يوليه جلالة الملك حفظه الله للقطاع، وتعبير عن إرادة حكومية صادقة لتقريب مصادر القرار من الصناع التقليديين وباقي فاعلي القطاع، فقد عملت الحكومة على حماية منتوجات الصناعة التقليدية من المنافسة غير المشروعة، عبر تسجيل علامات الجودة على المستويين الوطني والدولي.
كما أطلقت الحكومة مجموعة من المبادرات لتطوير سلسلة القيمة بالنسبة لبعض الحرف الرئيسية، بهدف تحسين جودتها وجعلها أكثر جاذبية للسوقين الداخلي والخارجي.
إضافة إلى إطلاق برنامج “الكنوز الحرفية المغربية” بالتعاون مع منظمة اليونسكو. حيث يهدف هذا البرنامج إلى حماية ونقل المهارات المرتبطة بـ32 حرفة مهددة بالاندثار، مما يضمن استدامة التراث الحرفي وجعله عنصرا رئيسيا في الجذب السياحي.
حضرات السيدات والسادة،
عندما نقول أن مقاربتنا لتطوير القطاع السياحي مقاربة أفقية شاملة متعددة الأبعاد، فإننا نجسد ذلك قولا وفعلا، وذلك عبر الاهتمام بمختلف الروافد التي من الممكن أن تسوق للوجهة المغربية.
وفي هذا الإطار، لا يخفى عليكم الدور الهام الذي تلعبه الرياضة في تعزيز القطاع السياحي بالمغرب، حيث أصبحت تشكل عنصرا أساسيا في هذه الصناعة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحكومة، تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، حرصت على ترسيخ مكانة بلادنا كوجهة رياضية عالمية من خلال استضافة تظاهرات رياضية كبرى، تعكس قدرتها على تنظيم فعاليات بمستوى عالمي، مما يعزز من جاذبية بلادنا السياحية ويروج لصورة المملكة كمنصة تجمع بين الرياضة والثقافة والسياحة، وقد تم في هذا الإطار تنظيم مجموعة من التظاهرات الرياضية البارزة.
ويشكل احتضان بلادنا لبطولتي كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030 ومواعيد رياضية أخرى فرصة كبرى لتعزيز مكانتها على الساحة العالمية كوجهة سياحية متميزة.
وإذ نعتبر احتضان هذه التظاهرات الرياضية مناسبة حقيقية للتعريف بالثقافة المغربية الغنية، وتراثنا العريق، وطبيعتنا المتنوعة، فإننا نعي جيدا أن بلادنا ستكون أمام لحظة استثنائية بكل المقاييس لكتابة فصل جديد في تاريخ السياحة المغربية، تعزز مكانة بلدنا على خريطة السياحة الدولية، وذلك من خلال جذب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم.
حضرات السيدات والسادة،
لا شك أن مختلف النجاحات التي حققتها بلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في السنوات الأخيرة، على مختلف المستويات والأصعدة، ومن بينها النتائج المبهرة التي تم تحقيقها في القطاع السياحي، ستشكل بالنسبة إلينا حافزا مهما لمواصلة العمل لبناء “مغرب المستقبل” الذي نسعى إليه جميعا.
كما ندرك جيدا أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال الشراكة الوثيقة والموثوقة بين مختلف المتدخلين، وضمان الالتقائية بين مختلف القطاعات، في إطار المقاربة الأفقية الشاملة المتعددة الأبعاد التي اتخذناها في عملنا الحكومي فلسفة ومنهاجا.
وإننا نعول على انخراط الجميع لإنجاح مختلف البرامج والأوراش التي تفتحها بلادنا، لنكون عند حسن ظن جلالة الملك، نصره الله، وتطلعات الشعب المغربي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته