أعمدة الرأي

قراءة سوسيولوجية لمتغيرات المجتمع المغربي ما بعد كورونا: عنف… مخدرات… انتحار…. واغتصاب

ما الذي تغيّر في المجتمع المغربي ما بعد كورونا؟ كيف هو المزاج الاجتماعي؟ وكيف يمكن ان نفهم طبيعة الظواهر الاجتماعية الجديدة التي برزت بيننا وأبرزها العنف والانتحار؟

اليزيد الفحل – صوت الصحافة – 
كانت صدمة كبيرة ما بعد الكورونا حبلى بالظواهر الاجتماعية الجديدة أو المستجدة فالمجتمع ستصله ارتدادات المتغيرات السياسية فسيعيش سلوكات أفرزتها المرحلة فأصبحنا نتحدث عن ظاهرة الزواج العرفي بين الشباب أو ما يسميه البعض ” المصاحبة” وانفجر الموضوع الجنسي وطفا على السطح الحديث عن الخطف والاغتصاب وزاد العنف وبرز التسول. كما تناسلت من رحم هذه الاهتزازات ظواهر اجتماعية اخرى كزيادة العنف الزوجي وانتحار الشباب. يعيش إذن المجتمع المغربي صراعاته طيلة هذه الأشهر إلى ما بعد الكورونا حيث امتزج احيانا ما هو سياسي بما هو اجتماعي حيث سيكون النمط المجتمعي الحداثي كلمة السر في معركة الانتخابات المقبلة.

حول مجمل هذه التغيرات تحدثت «صوت الصحافة» الى العديد من الباحثين في علم الاجتماع حيث أوضحوا لنا ان «فترات التحول والانتقال في السياق الوبائي تتحول إلى نوع من المعاناة والاضطرابات السلوكية والنفسية وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب العنف والعدوانية لدى المغربي وارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي وطغيان الانفلات على المشهد الاجتماعي انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية. عدوانية تتراوح بين الاعتداءات الجسدية والمادية المختلفة إلى أن تصل إلى أكثر أشكال العنف بشاعة من قتل واغتصاب. فسلوك المغربي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وهو ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن ورغبة جماعية لإثبات الذات بموجب وبدون موجب».

من هنا نذهب نحن وإياكم إلى الانتحار والذي أصبح ثقافة تغزو حياتنا ولغتنا بحيث لا نكاد أن نفتح وسيلة إعلامية إلا وتعترضنا يوميا مفردة الانتحار: الانتحار شنقا، الانتحار حرقا، الانتحار غرقا، الانتحار السياسي، الانتحار الجماعي… وكأننا نعيش في محرقة وليس في مجتمع أو دولة وهذا ليس بغريب على وباء انطلق بعملية انتحار ثم تتالت بعدها عمليات الانتحار وأشكاله لتشمل الشباب والكهول والنساء والرجال والعزاب والمتزوجين كما توزعت عموما بشكل عادل بين جميع جهات المملكة عوض أن تتوزع مفردات الأمل والتنمية والكرامة والحب.
فالانتحار، يعد نوعا من العنف الاجتماعي أو رد عليه لكنه عنف في أدنى درجاته لأنه ليس موجهاً للآخر بل موجه نحو الذات ولإيصال رسالة أو رسائل للطرف الآخر وللمجتمع وبالتالي تصبح حالات الانتحار عبارة عن الوجه الآخر للهجرة السرية. وإذا استحال الأمر عند الشباب تحول الأمر الرمزي إلى فعل حقيقي بإضرام النار في النفس لوضع حد لحياته.

وبالتالي، منذ بداية الوباء إلى اليوم نلاحظ ارتفاع حالات الانتحار لدى الشرائح المهمشة والنخب المثقفة في المملكة وهذا ناتج عن فقدان الأمل في الحاضر والمستقبل والإحساس بأبدية الأزمة الراهنة وتراجع مكانة التعليم في الوسط الاجتماعي وغياب فضاءات الوقت الحر وحالة التصحر الثقافي والسياسي وغياب المواقف والخطابات المطمئنة وعجز المجتمع المغربي السياسي بأحزابه وهياكله والمجتمع المدني بجمعياته وهيئاته ونقاباته عن احتضان خيرة الشباب وتبني مشاغلهم بعيدا عن الشعارات والمزايدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
مع هذه الأيام الاخيرة تدعمت مفردة الانتحار في قاموسنا وسلوكنا الاعتيادي بفعل «النحر» وهو فعل موجه لنحر الآخر وقتله وشطبه من الحياة والوجود لأنه مختلف معنا في الموقف والرؤية. وحين تجتمع هذه الظاهرة(الانتحار) وهذا الفعل (النحر) فإننا نجد أنفسنا في صميم ثقافة الموت والتي بدأت تخيم على مجتمعنا وثقافتنا ومزاجنا ولغتنا وهويتنا وهو أمر خطير يمكن الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية.
ارتفاع استهلاك المشروبات الكحولية والمخدرات
رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها العالم وخاصة المملكة المغربية وتراجع القدرة الشرائية للمواطن المغربي إلا أن معدلات استهلاك الخمور ما فتئت تتزايد رغم الترفيع المستمر في أسعار المواد الكحولية والتضييق على استهلاك المخدرات. جيل برمته يتكون اليوم من شباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الدراسة والحماية والتنمية. جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية احدى وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها.
ظواهر اجتماعية لا تكاد تخلو منها أي جهة من جهات ربوع المملكة. وهي ظواهر يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب غير الذي نعيش فيه، في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب انها آفة الادمان وخاصة على المخدرات ذات المفعول القوي والمدمر لهيكل الانسان. فنوعية المخدرات المستعملة اليوم في سوق الممنوعات والغاية من استهلاكها حولها من مجرد آفة أو ظاهرة إلى مرض اجتماعي وإلى جزء من ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتأخد رقعتها في الانتشار وهي ثقافة الموت والقتل اي قتل الجسد وقتل الوعي وقتل العقل وقتل النفس وقتل الآخر. فالمتأمل لنوعية المواد المخدرة المستهلكة اليوم والتي دخلت مؤخرا لائحة الاستهلاك وخاصة من حيث حدتها وقوتها يستنتج بدون مجهود كبير أن الغاية من ورائها يتعدى مجرد البحث عن النشوة والمتعة بل الغياب الكلي ليس الجزئي عن الوعي.
بهذا المنطق تحولت المواد المخدرة اليوم إلى خطر حقيقي يهدد الأمن الجسدي الصحي والنفسي لمستهلكيها والأمني والاجتماعي لمجتمع برمته وربما هذا ما يفسر ارتفاع حجم الجرائم من سطو مسلح واغتصاب وقتل … الخ حيث اتخذت منحى استعراضي يصل إلى حد تصوير الجثث.

هي ثلة من الظواهر الاجتماعية بل يبقى للدولة فرصة إعادة النظر في ما بعد الكورونا نحو مغرب ديمقراطي حداثي دون وعي كبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى