قراءات متقاطعة حول عقوبة الإعدام “بين الإلغاء والإبقاء “

صوت الصحافة // رشيد الفانيس
بعد الجدل الواسع الذي خلفته مؤخرا العديد من القضايا المرتبطة بموقف عدد من افراد المجتمع والحركة الحقوقية من مبدأ تطبيق عقوبة الإعدام جراء تفاقم جرائم القتل وهتك الأعراض التي ترتكب خاصة في حق الأطفال والقاصرين والتي قسمت المجتمع بين مطالب بتطبيق القصاص في حق مرتكبي هذه الأفعال وبين مدافع عن فكرة عدم الحكم بالإعدام بل بعقوبة ملائمة ؛ والتعامل مع المجرمين من منطلق تحمل المجتمع لمسؤولياته وعدم الاختباء وراء عقوبة انتقامية لا تلغي الجريمة ولا تتوجه لأسبابها.
فتح اذن من جديد عدد من الصحافيين والمحامين والفاعلين الحقوقيين نقاشا جادا ومعمقا ورصينا حول هذا الموضوع الملتبس والمتشعب في إطار أيام دراسية و ورشات موضوعاتية محاولين قدر الإمكان إحاطته من كل الجوانب سواء المتعلقة بالشق القانوني والتشريعي أومن خلال الانكباب على الجوانب الاجتماعية والآثار النفسية التي دفعت العديد من الأفراد إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم ، وقد استمرت النقاشات على مدى ثلاث أيام في إطار دورة تدريبية ضمن فعاليات مشروع يقظة إعلامية من اجل الحق في الحياة والذي نظمته منظمة حرية الإعلام والتعبير- حاتم- بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان ، وتأتي هذه الأيام الدراسية انسجاما مع أهداف المنظمة الأساسية الرامية إلى إبراز دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان وإثارة الحوار والنقاش حولها داخل المجتمع و تقوية القدرات التحريرية لرجال الصحافة والإعلام في ما يخص تناول موضوع غاية في الأهمية وذا حساسية كبيرة بالنسبة لرجال القانون والدولة على حد سواء وعدم الخلط بين الإخبار وإبداء الرأي، إنه موضوع الحق في الحياة وإلغاء عقوبة الإعدام وموقف الطبقة الحقوقية المغربية من إهدار هذا الحق الدستوري باسم القانون.
حيث يعتبر الحق في الحياة بالمنظور الدولي من الحقوق المحمية التي يتعين احترامها وتأمين حمايتها لصالح الأفراد ولأجل ذلك قامت الحركة الحقوقية العالمية وعلى رأسها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التي تناهض عقوبة الإعدام و تعتبرها قاسية و حاطة من الكرامة الإنسانية باعتماد تدابير قانونية او ما يسمى بالصكوك او البروتكولات والتي حددت شروطا لتطبيق هذه العقوبة منها
البروتكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام الذي نص في بنوذه على :
ان تكون العقوبة جزاءا على جرائم خطيرة فقط
2 ان تكون الجرائم منصوص عليها في القانون
3 ان يصدر حكم نهائي بالاذانة من طرف محكمة مختصة
كما اعطى هذا البروتكول استثناء مرتبط بجرائم ذات صبغة عسكرية في زمن الحرب فقط
والبرتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام والبرتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف بما في ذلك ظروف الحرب وبرتوكول الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام وذلك تماشيا مع أهداف هاته الاخيرة التي تناهض هذه العقوبة و تعتبرها أحد الأعراض المكرسة للعنف وليست حلا له ، كل هذا التطور لم يقتصر فقط على الجانب القانوني وإنما شمل أيضا مستوى التطبيق ، على الرغم من الأرقام المقلقة التي تسجلها بعض هاته الدول فيما يتعلق بمؤشر الجريمة فيها حيث يسجل مؤشر الجريمة بفينزويلا 84.86 بالمائة ومؤشر الأمن فقط 15.64 ومع ذلك ألغت عقوبة الإعدام ومؤشر الجريمة بجنوب افريقيا 77.29 بالمائة ومؤشر الأمن 12.71 فقط ، ورغم ذلك فبحسب المعطيات الرسمية هناك أزيد من 140 بلدا إما ألغى العقوبة بشكل كلي أو أوقف تنفيذها وهناك دول أوقفتها مع الاحتفاظ بها في القانون ، فيما تؤكد منظمة العفو الدولية أن هناك ما يزيد عن 50دولة ألغت نهائيا قانون عقوبة الإعدام من تشريعاتها انسجاما مع التوجه العالمي الذي بدأت تظهر بعض معالمه بقوة على مستوى القانون وكذا على مستوى التطبيق والذي يسير في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام بشكل كلي .
والجدير بالذكر أن دولا افريقية مثل السينغال – الغابون – جنوب افريقيا –الموزنبيق وغيرها أخذت نفس المنحى الدولي في الوقت الذي لا زالت الحكومة المغربية مع لم تقدم بعد على الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام من تشريعها على الرغم من ان مؤشر الجريمة بالمملكة متوسط بنسبة تصل الى 48.بالمائة ونسبة الأمن 53 بالمائة وهذا مؤشر ايجابي جدا مقارنة مع دول أخرى ، فهناك حوالي 100 سجين تم الحكم عليهم بعقوبة الإعدام لحد الآن رغم أن المملكة أوقفت العمل بتنفيذها مند سنة 1993 ،ولازالت المحاكم المغربية تصدر أحكاما بموجب هذه العقوبة طبقا لأحكام القانون الجنائي المغربي الذي يضم حوالي 36 فصل ينصص في ثناياه على جرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام :
ومن بين تلك الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي الذي يعد إرثا استعماريا بامتياز بحكم أنه يعود لسنة 1962 هناك :
*جرائم ترتكب في حق الملك وأفراد عائلته
*جريمة الخيانة ضد الدولة وقت السلم أو الحرب يعاقب مرتكبها سواء كان مغربي او اجنبي بالإعدام
*الجرائم التي تمس بالسلامة الخارجية للدولة في زمن الحرب
*الجرائم التي تمس بالأمن الداخلي للدولة
*جرائم ضد الأفراد منها القتل العمد والقتل مع سبق الإصرار وقتل الأصول
*جريمة التعذيب بالضرب في حق الأطفال اقل من 15 سنة
*جريمة إضرام النار عمدا واستعمال المتفجرات المفضي الى الموت
*جريمة تخريب سدود أو طرق أو منشآت أدت إلى موت فرد ولو بالخطأ
وهناك مستجدات في قانون الإرهاب بالإضافة إلى جرائم أضافها المشرع المغربي وهي:
*جريمة الإبادة الجماعية في حق الأقليات الاثنية أو العرقية
* جرائم ضد الإنسانية أو ضد مجموعة من المدنيين
*جريمة الاختفاء القسري وجرائم ضد أسرى الحرب
إلا أنه وعلى الرغم من كل ذلك ،فحسب المتتبعين للشأن الحقوقي ببلادنا هناك مؤشرات ايجابية توحي باقتراب إلغاء هذه العقوبة من التشريعات الوطنية وبالتالي القطع مع هذه العقوبة الشنيعة والقاسية والحاطة من الكرامة الإنسانية ، أول هذه المؤشرات توصية هيئة الإنصاف والمصالحة بإلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات الوطنية، ثم العفو الملكي الذي طال أكثر من 54 محكوما بهذه العقوبة ،والرسالة الملكية التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش سنة 2014 والتي تلاها وزير العدل والحريات أنداك الأستاذ مصطفى الرميد فضلا عن المرتكز الدستوري الذي ينص على الحق في الحياة ، دون إغفال مطالب الحركة الحقوقية الوطنية التي على الرغم من إقرارها بوجود مشاكل اجتماعية وجرائم ترتكب بمبررات شتى ،إلا أنها تعبأت بشكل كبير في إطار الائتلاف المغربي من اجل إلغاء عقوبة الإعدام وترافعت لدى العديد من الهيئات لإقناعها بالانضمام إلى طرحها القاضي بإلغاء هده العقوبة وهو ما نجحت فيه بضم برلمانيين ومحامين واطباء وصحافيين وهيئات التعليم اللذين اقتنعوا بأن هذه العقوبة لا تحل المشكل البتة والدليل هو ان الدول التي لا تزال تطبق عقوبة الإعدام لا تزال تسجل أعلى معدلات الجريمة واكبر مثال هو دولة الولايات المتحدة الأمريكية ،ولذلك يجب التفكير بصوت الحكمة والتخلي عن منطق الانتقام والتحلي بالموضوعية في طرح مثل هذه القضايا للنقاش العمومي على المختصين من أهل العلم ورجال القانون من اجل استقراء النصوص في بعدها الإنساني والحفر في القانون والذاكرة الزمنية لاستنباط عقوبات بديلة فضلا عن استقصاء الحقائق حول واقع المحكومين بالإعدام بالمغرب والذي سيغير لا محالة نظرة المجتمع لهذه الفئة التي حرمت من محاكاة غيرها بواقعها المرير الذي لا يشبه عوالم البشر في شيء ،ما يستدعي منا كقوى مجتمعية حية أن نصرح بمعاناتهم ونهتف بأصواتهم وذلك عبر مواصلة الحوار الاجتماعي من اجل الالتحاق بالبرتوكول الاختياري والعمل على توضيح معنى الإلغاء والغاية منه وتعميق النقاش إعلاميا.
ولاجل ذلك لا بد من وضع إستراتيجية للترافع بمداخل وأسس متينة يجملها أهل الاختصاص في خمس نقاط أساسية :
1 تكثيف العمل والتعبئة لإدراج هذه المسألة أجندة الفاعل السياسي من خلال مقترحات القوانين التشريعية.
2 تعميق النقاش الإعلامي قصد تهييئ الرأي العام لتقبل الرأي الآخر وتخفيض حدة الصدمة
3 تسليح الصحافيين بالمعرفة القانونية في هذا المجال ليقوم الإعلام بدوره الأساسي كقاطرة للإنتقال الديمقراطي.
4 ضرورة إشراك علماء الأمة والمجلس العلمي.
5 وضع نصوص تشريعية واضحة لا يعتريها غموض