صوت الصحافة
تشكل قراءة تجارب بعض الأسماء الفاعلة في مشهدنا الصحفي المغربي حميد ساعدني تلك التي شاركت في التأسيس لجزء مهم من تاريخ المشهد الإعلامي العمومي ببلادنا لحظة أساسية لرصد جوانب مهمة من الممارسة الصحفية المغربية، بما يخدم تشكيل رؤية أكثر شمولية و بعمق موضوعي يستجيب لطموح فهم ماهية و أنساق الفعل الإعلامي اليوم بالمغرب بين تاريخية التشكل و آفاق تنظيم الممارسة بالمشهد الصحفي الإعلامي و مدير الأخبار بالقناة الثانية 2M وأحد مؤسسيها حميد ساعدني عبر لحظة احتفائية حاول من خلالها المنظمون استنطاق التجربة الصحفية و الأكاديمية للضيف المحتفى بما يدعم الجانب التكويني للطلبة المعنيين الراغبين في ولوج عوالم الممارسة الإعلامية المهنية . وقد ظهر أنه كمسؤول أول عن قطاع الاخبار في القناة الثانية حضرت بثقلها الواضح في هذا النقاش الفكري، طالما أن الرهان كان هو رصد مساحات من الممارسة الصحفية ببلادنا بناء على قراءة في تجربة 2M كإحدى المؤسسات الإعلامية العمومية ذات الوزن التاريخي في مشهدنا الإعلامي. إلا أن هذا لم يمنع حميد ساعدني من أن يتفاعل مع مناخ المناقشة داخل اللقاء، من خلال مقاربات متعددة حضر فيها بشكل أساس الحس البيداغوجي حميد لساعدني كمؤطر و أستاذ في مجال الإعلام والصحافة إلى جانب صفته كعضو بالمجلس الوطني للصحافة سابق في تناغم تام مع النفس التكويني للحدث. و قد اخترنا داخل هذا المقال التفاعلي و دون الدخول في سردية الكتابة التقريرية التركيز على بعض المحاور الكبرى التي احتلت مساحة مهمة في هذا اللقاء الفكري الأكاديمي المفتوح لحميد ساعدني ، و ذلك قصد الوقوف على منعطفات تاريخية عرفت فيها الممارسة الإعلامية ببلادنا محطات من التغير من خلال استقراء تجربة القناة المذكورة بالأساس. و كما قلنا فقد شكل رصد التجربة الإعلامية لقناة 2M بين منطلقات التأسيس و تحولات اليوم، محورا أساسيا في النقاش العام للقاء حيث حميد ساعدني أن الظرفية التاريخية التي عرفتها بلادنا أواخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أعلنت عن ميلاد تحولات جوهرية انصبت على رغبة الدولة حينها في التأسيس لمناخ فكري و سياسي قوامه هوامش واسعة و جديدة من حرية التعبير و الرأي تناغما مع ضرورات تأمين الانتقال السياسي في المغرب نحو العهد الجديد. و قد استفاد قطاع الصحافة والإعلام بالمغرب من هذه الدينامية الجديدة التي سمحت فيها الدولة بإنشاء منابر صحفية خاصة بعد أن كانت أغلب المؤسسات الإعلامية في المغرب إما رسمية أو ناطقة باسم الهيآت الحزبية. ما فتح الباب أمام تأسيس القناة الثانية 2M سنة 1989 برأسمال خاص أراد من خلاله الراحل الحسن الثاني أن يضمن للقناة أقصى هوامش الممارسة الإعلامية الحرة البعيدة نسبيا عن تأثير و تحكم القرار الرسمي المركزي، بما يساهم في تشكيل رأي عام مغربي جديد قابل للتجاوب مع تحولات الانتقال في سلوك الدولة السياسي نهاية عهد الملك الراحل، حسب ما يستشف من مناقشات اللقاء مع حميد ساعدني. و من خلال أنفاس القول التي نطقت بها هذه اللحظة التواصلية، فإن ظهور 2M أعطى زخما للمشهد الصحفي بالمغرب ،خاصة أن القناة اختارت الانفتاح بشكل مغاير على قضايا الفكر و السياسة و الثقافة والشأن الرياضي بما فسح المجال أمام أصوات مغربية لم يكن بإمكانها معانقة حرية الرأي في الإعلام الرسمي للدولة ، قبل أن يعلن قرار شراء الدولة نفسها ل 2M أواسط تسعينات القرن الماضي في خطوة لاستمرار وجود القناة التي أصبحت بذلك عمومية عقب أزمتها المالية عن هامش دينامي وواسع في العمل الصحفي لهذه المؤسسة الإعلامية الذي ستظهر أكثر التصاقا بأخبار المجتمع. والملاحظ أن تحولات المشهد الإعلامي والسياسي ببلادنا خلال العقود الأخيرة بما في ذلك معركة دفاتر التحملات بين 2M و حكومة ابن كيران الذي تحكم فيه الصراع الإيديولوجي بالأساس و الذي سيحسم بتحكيم ملكي، أو خلق قناة الرياضية كجزء من القطب الإعلامي العمومي كان له تأثير على طبيعة الخط التحريري للقناة نفسها إن شئنا القول بما في ذلك إذاعة أذان الصلوات الخمس و الانفتاح أكبر على سردية الأخبار المجتمعية مع توقف عن نقل الأنشطة الرياضية خاصة مباريات كرة القدم، رغم ما سببه هذا الأخير من تراجع في الإشعاع الجماهيري للخبر الرياضي داخل القناة، مع خفوت على ما يبدو من نقاشات اللقاء في العمل الإعلامي الأكثر حرية للقناة. قبل أن تعلن التغييرات التي عرفتها 2M خلال الأربع سنوات الأخيرة بما في ذلك تعيين حميد ساعدني مديرا للأخبار بالقناة عن إرادة حقيقية داخل هذه الأخيرة للتناغم مع التحول الرقمي في الممارسة الصحفية اليوم مع الحفاظ على أقصى شروط الموضوعية المهنية المتعارف عليها خاصة في ما يتعلق بالمواد الخبرية ، و العودة بالعمل الصحفي داخل 2M إلى أنفاسه النقدية و الفكرية التي كانت تقارب بها هذه المؤسسة المشهد المغربي بهوامش حرية أكبر خصوصا أن المناخ العام بالبلاد يوحي بأن تقدم الممارسة الإعلامية الحرة في بلادنا يبقى مضمونا وواعدا مقارنة مع مساحات الفعل الإعلامي المحدودة في عدد من بلدان الجوار و المشرق العربي حسب ما رصدناه من أحاديث هذا اللقاء التواصلي. ولم يفت حميد ساعدني التأكيد خلال هذا الأخير أن طموح الارتقاء بالممارسة الصحفية ببلادنا يظل مرتبطا بشرطية حصول الممارسين على التكوين العلمي و المهني سواء بشكل أكاديمي أو من خلال المجهود الذاتي قصد الارتقاء بالعمل الإعلامي في المغرب و الابتعاد عما يعرفه القطاع من انتشار لممارسات غير مهنية بتاتا، ولا تنطق إلا بفوضى يسعى المجلس الوطني للصحافة عبر مشاريعه القانونية إلى الحد منها ضمانا لوجود إعلام مغربي عنوانه الأبرز أخلاق مهنية في عالم الصحافة.