خطاب السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش في القمة الرابعة لمنتدى التعاون الإفريقي- الصيني
صوت الصحافة
صوت الصحافة
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب الفخامة والمعالي،
حضرات السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بداية لا يفوتني أن أنقل إليكم تحيات وتقدير صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي أتشرف اليوم بتمثيله في أشغال القمة الرابعة لمنتدى التعاون الإفريقي الصيني.
وهي مناسبة لأشكر جمهورية الصين على استضافتها لهذا المنتدى، الذي يجسد الرغبة الحثيثة في تطوير وبلورة رؤية مستقبلية للعلاقات الصينية الإفريقية.
وفي هذا الإطار، لا تفوتني الإشادة بمختلف المبادرات الصينية التي أطلقها فخامة السيد شي جين بينغ (Xi Jinping)، رئيس جمهورية الصين الشعبية، وما تفتحه من آفاق وفرص هامة للتعاون، وفي مقدمتها مبادرة “الحزام والطريق” و “المبادرة الدولية للتنمية” التي تساهم في بناء تصور متميز للعلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف.
إن المملكة المغربية على قناعة تامة بأن الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول الإفريقية تشكل ركيزة قوية بالنسبة لقارتنا، حيث من شأن هذه الشراكة أن تعزز العلاقات بين الجانبين وترتقي بها إلى مستويات أوسع.
وهنا نستحضر الزيارة المثمرة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لجمهورية الصين الصديقة، في ماي 2016، التي توجت بالتوقيع على الإعلان المشترك حول إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية، التي تعكس مدى الإمكانات المتاحة بين البلدين، وتجسد الإرادة السياسية القوية والصادقة للبلدين في الإسراع في بلورة هذه الرؤية المشتركة على أرض الواقع، والمضي قدما نحو آفاق واعدة للتعاون.
حضرات السيدات والسادة،
إن اختيار موضوع “دعم التصنيع في إفريقيا، وتحديث الزراعة، والتنمية الخضراء على طريق التحديث” شعارا لهذا الاجتماع رفيع المستوى، يعكس الوعي العميق للصين وإفريقيا بأهمية التصنيع والتحديث الزراعي والتنمية المستدامة بالنسبة للقارة الإفريقية.
وهنا وجب التذكير بأن المملكة المغربية قامت باعتماد استراتيجيات طموحة في هذا الإطار، على غرار “ﺍﻟﻤﻴﺜﺎﻕ الوطني للانبثاق ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ” ومخطط “التسريع الصناعي”، اللذين ساهما في تطوير القدرات الصناعية وتعزيز الابتكار في المملكة.
كما حرصت بلادنا على إخراج ميثاق تنافسي جديد للاستثمار، وفق مقاربة من بين أهدافها تعزيز تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي والرفع من جاذبية وتدفق الاستثمارات الأجنبية على بلادنا.
وفي هذا الإطار فإن المملكة المغربية تدرك أهمية الرهان على مجموعة من قطاعات المستقبل، كالطاقات المتجددة، وصناعة السيارات الكهربائية، وصناعة الطائرات، والصناعات الإلكترونية، والهيدروجين الأخضر…
وعلى غرار الصناعة، راهنت بلادنا على إطلاق مبادرات طموحة لتحديث قطاع الزراعة، من بينها مخطط “المغرب الأخضر ” ثم استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030”.
حيث تمكنت بلادنا من خلالهما من تحديث قطاعها الزراعي وتعزيز إنتاجيته واستدامته من أجل ضمان السيادة الغذائية، وذلك في ظل تداعيات تحديات التغيرات المناخية وآثارها على الفلاحة وضمان الأمن الغذائي بالدول الإفريقية، وفي سياق صعب يتسم بتراجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والضغط على الموارد الطبيعية لا سيما الموارد المائية.
وفي إطار تعزيز الحكامة الجيدة للماء، يقوم المغرب وفقا للتوجيهات الملكية السامية، بإعداد مشاريع كبرى بقيمة مالية تتجاوز 14 مليار دولار، من بينها واعتماد السقي بالتنقيط في القطاع الزراعي، واستكمال بناء السدود، ونقل المياه بين الأحواض عبر طرق سيارة للمياه، إضافة إلى مشاريع أخرى مبتكرة في إطار تحلية مياه البحر. وستمكن هذه المشاريع من توفير حاجياتنا من الماء سواء الموجهة للقطاع الزراعي أو للشرب.
حضرات السيدات والسادة،
لقد وضعت السياسة الإفريقية للمملكة المغربية التنمية الفلاحية والأمن الغذائي في صلب اهتماماتها. فخلال الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس للدول الإفريقية، كانت الفلاحة تشكل دائما عنصرا أساسيا في استراتيجية التعاون مع الدول الإفريقية، سواء من خلال برامج التعاون المتعددة، أو من خلال التوجيهات الملكية لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لوضع برامج خاصة في هذا المجال للدول الإفريقية.
وفي هذا الإطار، ولمواجهة تحديات الأمن الغذائي في إفريقيا، أطلقت المملكة المغربية مشاريع كبرى، مثل بناء مصانع لإنتاج الأسمدة في إثيوبيا ونيجريا. كما عزز المكتب الشريف للفوسفاط حضوره في إفريقيا من خلال افتتاح 12 تمثيلية في الجهات الأربع للقارة، وتعزيز إنتاج وتوزيع الأسمدة من خلال إطلاق ثمانية مشاريع صناعية في قارتنا.
وبفضل مؤهلاته وموارده الاستراتيجية، سيبقى المغرب شريكا مثاليا للصين وإفريقيا في تنفيذ مختلف المبادرات المشتركة، حيث إن هذا التعاون يتيح التركيز على قطاعات حيوية مثل تحديث الزراعة، وتطوير البنية التحتية، والطاقات المتجددة.
حضرات السيدات والسادة،
إذا كان النظام الدولي يواجه في السنوات الأخيرة توالي وتداخل أزمات عديدة، وتسارع حدوث تغييرات جيوسياسية عميقة في عالم أصبح متعدد الأقطاب، فقد أصبح العمل المشترك من قبيل تعزيز التعاون الصيني – الإفريقي ضروريا لربح مختلف الرهانات.
وتبقى المملكة المغربية مستعدة للمساهمة في إعطاء مضمون ملموس لمنتدى التعاون الصيني-الإفريقي، عبر تطوير آلياته وبرامجه ومبادراته في مختلف القطاعات، وفي إطار مزيد من الانفتاح على التجربة الصينية الرائدة.
خاصة وأن أهداف هذا المنتدى تتقاطع مع مجموعة من المبادرات التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، التي تعكس التزام المغرب بالسلام والاستقرار والتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة في إفريقيا، وعلى رأسها:
المبادرة الدولية لتيسير وصول بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي: التي تهدف إلى توفير وصول مباشر ومفيد أكثر إلى المحيط لبلدان الساحل، مما يسهل التجارة والتبادلات الاقتصادية.
ثم، مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب: الذي يهدف لإنشاء ممر طاقة استراتيجي يعزز التعاون في مجال الطاقة وينشط النمو الاقتصادي في المنطقة.
والمملكة المغربية على قناعة راسخة بأن هذه المبادرات، المدعومة بالشراكات الثلاثية، ستلعب دورا حيويا في تحقيق مستقبل مزدهر ومستدام لإفريقيا.
كما أن الصين، ومن خلال دعمها لهذه المبادرات، لن تعمق شراكتها مع المغرب فحسب، بل ستلعب أيضا دورا حاسما في تعزيز الاستقرار الإقليمي والازدهار في إفريقيا، بما يتماشى مع مبادراتها العالمية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته