مجتمع

العمل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية

عادل رمز

يعرف المغاربة بتعاونهم وتضامنهم في مختلف المهام والمناسبات، سواء كانت أفراح أو أحزان بطبيعة إجتماعية يسود فيها التماسك الميكانيكي حسب تعبير عالم الاجتماع دوركايم، ومن بينها عملية التويزة التي كانت تعبر عن عمق تضامنهم في مجال الفلاحي، وهذا التعاون كان عفوي بين أفراد القبيلة الواحدة بغية التماسك والتباهي أمام القبائل الأخرى، وكانت المشاكل الاجتماعية مثل الفقر والبطالة،  وانحراف بعض الأفراد عن قيم القبيلة متسترة وغير متفشية بسبب هذا التماسك الآلي بين أفرادها، وكان حلها يتم بطرق إحسانية يتوخى منها التقرب من الله بتقديم الصدقات و الزكاة للفقراء بشكل ضمني عبر أعراف القبيلة وعاداتها، وعدم إظهار هذه المشاكل خوفا على سمعة القبيلة، ومن ثم كان هذا العمل الاحساني بمثابة مساعدات للقضاء على التهميش، وكان ناجعا بسبب قلة الكثافة السكانية والعلاقات الاجتماعية والتفاعل والتعارف المباشر بين جميع عناصر القبيلة، وكانت الرابطة الدموية هي السائدة بينهم .

وبسبب تزايد النمو الديمغرافي و اتساع المجال الجغرافي فيما بين عناصر القبيلة بسبب ظاهرة التمدن والعمران، أصبح المجتمع القبلي يعرف عدة تغيرات على مستوى البناء الاجتماعي، فأصبح الانتقال من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي وتقسيم العمل، وتشكل روابط إجتماعية أخرى كرابطة الأصدقاء، ورابطة المواطنة، وأصبح المجتمع يعرف مشاكل اجتماعية متعددة كالشعوذة والنصب والغش، وأصبحت العلاقات الاجتماعية تعرف أنماطا متعددة للتفاعل ولم تعد المقاربة الإحسانية تقوم بفعلها الإنساني بسبب عدم قدرتها على تحديد الفئة المستهدفة، والتي تحتاج فعلا للمساعدة.

من أجل فهم وحل المشاكل الاجتماعية والقضاء عليها، يتطلب ذلك آلية علمية يتم من ورائها تحديد الفئة المستهدفة بشكل دقيق، ومن ثم مساعدتها على الاندماج بمعناه الشمولي، الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وذلك بدراسة ميدانية وفق معطيات إحصائية، حيث لا يتحقق هذا إلا بالعمل الاجتماعي.

إن تقسيم المساعدات بشكل عادل داخل المجتمع، وتطوير هذا الأخير بشكل مشاريع مجلبة للدخل يصب في إتجاه تحقيق العدالة المجالية بتوفير وسائل العيش الكريم للفئة المستهدفة، واستفادتها من خيرات الوطن.

وحسب دراسة ميدانية حول أشكال المساعدات داخل جمعيات المجتمع المدني، نلاحظ سيادة العمل الاحساني في مقاربة المشاكل الاجتماعية مما يترتب عنه تشجيع الإتكالية لشريحة واسعة من أفراد المجتمع، وهذه إشكالية تجعل من الفرد غير قادر على الإبداع، وتحسين ظروفه المعيشية، زيادة على هدر المال العام بدون فائدة تنموية، أما العمل الاجتماعي فهو على النقيض من ذلك، فهو لا يعطي المساعدات الاجتماعية بشكل عشوائي، فهو يسعى إلى تحقيق غاية اقتصادية مربحة للمجتمع والأفراد على السواء بتعديل السلوك الإيجابي للعمل والانتاجية.

إن مفهوم العدالة الاجتماعية يرتبط بتقسيم الثروة بشكل عادل، ومن ناحية أخرى تنمية الفرد وإدماجه في المنظومة الاقتصادية بشكل فعال، كما أن توفير أخصائيين إجتماعيين في هذا المجال  له دور محوري في تحريك عجلة التنمية.

وهذا ما جعل مؤسسات الدولة توفر تكوين الطلبة في العمل الاجتماعي في الجامعات المغربية، لأن المستقبل يتجه إلى تأطير العمل الاجتماعي بشكل مؤسساتي وتنظيم قانوني لجعله محركا للمجتمع المدني بغية تحقيق الديمقراطية التشاركية كيفما حددها دستور 2011 ، وذلك لتحقيق التكامل بين مؤسسات الدولة والسلطة التمثيلية من جهة ومن جهة أخرى، جعل المجتمع المدني قابلا للمشاركة عبر منظومة قوانين مؤطرة وتنزيل فعلي لمقتضيات الدستور.

التعليم والتنمية:

مما لاشك فيه أن الفرد داخل المجتمع هو الذي يحدد البناء الكلي للمجتمع انطلاقا من تفاعله مع الغير وفق معايير وقيم يستمدها من المؤسسات الاجتماعية عبر عملية التنشئة الاجتماعية، و من أهمها الأسرة والمدرسة.

إن مدرسة تساهم بشكل كبير في بناء شخصية الفرد، وتمكينه من الاندماج في مجتمعه وفق قيم مبنية على مفاهيم التعايش والتسامح والمواطنة، زيادة على تزويده بكم معرفي يساعده على الإبداع والانتاجية خلال مسيرته الحياتية، بحيث يصبح فردا مسؤولا داخل مجتمعه، و لهذا الغرض فإن الاهتمام بالتعليم وإعطائه الأولوية في البرنامج  الحكومي، مع تحديد ميزانية كافية له لتحسين مناخ التعليم، وتشجيع البحث العلمي، وتحسين ظروف رجال التعليم المادية والمعنوية، هو أهم استثمار من أجل مستقبل مشرق.

إن بناء المستقبل رهين بتحسين الموارد البشرية وتأهيلها إلى جانب التطور العمراني، كما أن الثروة الحقيقية هي فئة الشباب، وهي قوة عاملة إذا تم الاهتمام بها وتطويرها سينعكس بالضرورة على جميع المجالات، لأنها هي أساس التنمية المستدامة،
وهذا ما نلاحظه بالنسبة للدول المتطورة، التي استفادت من الثروة البشرية في رقي وازدهار مجتمعاتها، وخير مثال على ذلك دولة اليابان رغم قلة الموارد الطبيعية فيها.

إن التطور الاقتصادي في أوروبا، كان بسبب انتشار المعرفة والعلم، واستخدام العقل لفهم الواقع وتحليله وتفسيره، أي ثورة معرفية كان التعليم من ركائزها الأساسية.

حسب أوجست كونت عالم الاجتماع، فإن الفكر الإنساني مر بثلاث مراحل:

المرحلة اللاهوتية، كان من خصائصها تغييب العقل الإنساني، والاعتماد على النقل، واحتكار المعرفة من طرف رجل الدين أما باقي فئات المجتمع، كانت تستقبل بدون تحليل نقدي بل بتقديس أوامر رجال الدين، وأعطائها المصداقية، وكأنها حقيقة مطلقة، مما ترتب عنه التخلف والجهل و إستعمال الفكر الخرافي في التحليل الظواهر الطبيعية والاجتماعية.

أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة الفلسفة والتأمل العقلي، وطرح تساؤلات إشكالية كان الهدف منها فهم الوجود الإنساني والواقع الاجتماعي، معتمدين في ذلك على المنطق والفكر التجريدي والتأملي.

أما المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة العلم التي تعتمد على الازدواجية بين العقل والتجربة والملاحظة العلمية.

ومما سبق، يتبين لنا أن التعليم هو أساس كل تنمية وبدونه، يستحيل تطور أي مجتمع وازدهاره، لهذا يجب على الدولة المغربية جعل المنظومة التعليمية بعيدة عن الأهداف الربحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى