الرأي المرأة حول صناعة سنيما
وردة لحميني
في واقع الأمر مرت السينما بانعطافات مهمة على الرغم من تأخر هذه الآلة “المكنة السينمائية”، مقارنة بأدوات الفنون الأخرى، كما في المسرح والرسم والموسيقا والصحافة والطباعة، إلا أنها اليوم تتصدر قائمة الفنون، وتهيمن على مساحة كبيرة من عصرنا، وأكثر ما يميزها عن غيرها أنها تطرح عالقة وشائكة ومحفزة للجدل. من بين أهم هذه القضايا تلك المتعلقة بـ المرأة وطريقة تقديمها في السينما، والأدوار المسندة لها، حيث للموضوع تفرعات وتعقيدات جمة، تبقى مرتبطة مباشرة بظروف وأجواء عمل هذه الصناعة الأكثر غموضاً، مثل تفاوت الأجور وفرص العمل الغير متكافئة بين الجنسين، وقصص التحرش والاغتصاب. وربما قضية المنتج الأميركي الشهير هارفي واينستون وتحرشاته الجنسية لن تكون آخرها.
لذلك من بين أهم القضايا التي نركز عليها في هذه المقالة ونقف عندها هي صورة المرأة عبر الشاشة. صحيح تم التطرق للموضوع مراراً، وخاصة بدايات سبعينيات القرن المنصرم، حيث أخذت كوكبة من المفكرات والمنظٍّرات وصانعات أفلام على عاتقهن مراقبة الصناعة السينمائية من خلال منظار نسوي نقدي، في محاولة لانتشال صورة المرأة من هيمنة السلطة الذكورية والتجارية. هذا الحراك النسوي نتج عنه مدارس فكرية وتيارات ثقافية وفلسفية، وبدوره أبدع الكثير من الأوراق البحثية والأفلام، التي تسهل علينا مهمة فهم موضوعنا.
في الحقيقة صورة المرأة في السينما على وجه العموم منذ البدايات وإلى الآن ماتزال إشكالية ومحل جدل واسع. رغم أن البعض قد يختلف معنا في هذا التوجه، ويقول إن المرأة وصورتها السينمائية اليوم في أوج مجدها وألقها، إلا أن الإحصاءات والمراقبات التحليلية تؤكد عكس ذلك، مع الأسف.
ماتزال النساء تُستخدمن على الأغلب كـ أدوات في السينما ويتم توظيف ورسم أدوارهن فقط لدعم السياق الدرامي والجمالي، بهدف إشباع رغبات الشخصيات الرجالية في سردية الفيلم، وبنفس الوقت كـ وسيلة لجذب المشاهدين. لذلك يكاد تجسيد المرأة بصرياً في الفيلم لا يخرج عن وجهة نظر ذكورية بحتة وتسخر المعالجة الدرامية هذا الهدف، لذلك نجد كوادر التصوير والإخراج تتعمد التقاط أجزاء محددة من أجسادهن بزوايا مدروسة تحقق الإشباع البصري عند المشاهدين من الذكور، بما في ذلك شخصيات العمل من الرجال، ويتم تحويل جسد الممثلة إلى سلعة جنسية لطيفة ورشيقة القوام في أغلب الأحيان.
وفي كثير من الأفلام تبدو المشكلة ليس فقط في التعامل مع الشخصيات النسائية كـ أجساد ساذجة تسبح في السياق إنما في طريقة الترجمة البصرية والتي تفوت على المتلقي تفاصيل التغييرات السيكولوجية والصراعات الدرامية التي تمر بها المرأة على الشاشة، وغالبا ما نجد النساء هن من يقع عليهن الفعل في السرد الدرامي ونادرا ما يملكن خيار الخروج من تأدية دور الظل للشخصيات الرجالية. لأن الرجل هو دائما المبادر وهو المحور والمرأة توظف كعنصر غير فعال، وما عليها سوى تمثيل ردات الفعل لتضخيم دور البطل “الرجل” في أغلب المشاهد.
من جهة أخرى تدل المؤشرات الحديثة في ورش كتابة السيناريو أن أدوار الرجال تحظى بعدد سطور أكثر بفارق كبير عن أدوار النساء. ربما يفسر هذا هيمنة الذكورة، وفي بعض الحالات تسند للنساء أدوار رئيسة مع ذلك لا يحظين بحوارات متكافئة مع الذكور. بينما ترتفع نسبة “العري” في الفيلم طردا مع أهمية أدوار النساء، وتشير البحوث أن النساء في الأدوار الرئيسية “البطولة” يصلن إلى ذروة إظهار أكبر مساحة ممكنة من أجسادهن.
قد يقول البعض، مؤخراً الرجال أيضاً يتم تسويقهم جنسيا، فـ نحن نرى رجالاً بعضلات مفتولة في معظم الأفلام، ونجدهم يتفتلون عراة. حقيقة راودني السؤال نفسه، ووجدت إجابة مقنعة لهذا التساؤل أنه بدون أية إحصاءات أو لغة أرقام يمكننا جميعاً الجزم أن نسبة تجسيد النساء بصورة مجحفة وجنسية أعلى بكثير بـ المقارنة مع الرجال. إضافة إلى جانب آخر مهم ومحوري قد يسقطه البعض سهواً لأنه من المسلمات المكرسة، حيث أننا نعيش في عالم تسيطر عليه السلطة الذكورية في أغلب المجالات، والنساء هن الضحايا الأعلى ضرراً في الحروب والعمل والمعيشة والقوانين والأعراف المجتمعية. لذلك عواقب هذا التجسيد الجنسي والمؤدلج فكرياً له نتائج وخيمة، وتزيد من نسب الاغتصاب والتحرش والعنف تجاه النساء وحدهم، وفي ورقة بحثية للباحثتين “شومايلا أحمد” و “جوليانا عبد الوهاب” يفسرن نسب الاغتصاب المرتفعة في الهند إلى صناعة أفلام بوليوود الهندية. أما العواقب على الرجال تكون أقل شدة عموماً، دون التقليل بالطبع من أهمية شأ المفتولة والتي قد تضعهم بمواجهة المتاعب، ولست بصدد الانتقاص من شأنها. ولكن في ظل هيكلية سياسية واجتماعية يسيطر فيها الذكور بينما تتدنى نسب النساء اللواتي يشغلن مراكز صنع القرار، وبشكل مخجل، لا بد من أن تتأثر المرأة بعواقب تلك الممارسات والسياسات.