التعليم بين غلو المظاهر وجسامة الرسالة التربوية
الكاتب: منير الحردول
حملة “شوفوني” التي قادها ويقودها بعض رجال ونساء التربية والتكوين، ، أصبحت تسيء للمهنة أكثر مما تحصنها من الانحرافات المتنوعة! فمهمة هيئة التدريس ليست هي صباغة الحائط والجماد، أو الرقص الجماعي، أو حلاقة رؤوس بعض التلاميذ الأبرياء، أو القيام بأي فعل، المراد منه كسب مزيد من الشهرة التافهة الفانية. الكل قادر على فعل تلك الأمور، خصوصا مع توفر عتاد تصويري متنوع، وهواتف ذكية متتعددة الأشكال. فهاته المهن المظهرية التي أراد البعض أن يحولها لقاعدة تنافسية، والمرتبطة برياء المظاهر أصلا، تعد من المهن التي يتطفل عليها البعض، وهي مهن لها أهلها، والتطفل عليها يخالف الجوانب المهنية التربوية لمهنة اسمها التربية والتعليم!
لكن، ألم تستوعب الآلة الإعلامية وأصحاب هذه الحملة، التي أصبحت تبدع فقط في الأمور التي تدخل في الجوانب المتعلقة بالبحث عن نيل الاعتراف بأي وسيلة، ولو كان ذلك على حساب فقر وبراءة ناشئة مفعمة بالحيوية، ومتعطشة للحاجيات البسيطة، كاللباس والأكل والأدوات المدرسية واللعب و…
ولعل أصحاب هذه الظواهر المستحدثة، لا يقدرون أن هناك آلاف من الأسرة التعليمية يكافحون رغم مرضهم وكبر سنهم، بل منهم المعاقون والمصابون بأمراض مزمنة، ومنهم من هم مصابون بسرطانات مميتة ويعاونون رفقة أسرهم في صمت وقلة في ذات اليد، التي تجعلهم يتعففون رغم احتياجاتهم المادية والمعنوية، وفي موازاة ذلك تجدهم يمارسون وينخرطون في الواجب المقدس، بدون ضجيج ولا ضوضاء!
فهؤلاء يثابرون من أجل هدف نبيل، ألا وهو تكوين مجتمع صالح، لا مجتمع المراهقة المتأخرة والرياء، والتملق وغيرها من السلوكات التي تسيء للجسم التربوي ولصاحبها أولا. أكثر مما يراد لها من قبل من لا يقدرون جسامة المهنة وإكراهاتها ونبلها المتعدد المشارب والاتجاهات ، نبل يمكن تلخيصه في نكران الذات، لهدف واحد ألى وهو خلق جيل من الشعب الواعي المتزن القادر على الوصول لفكرة مطابقة الحقوق مع الواجبات، والرقي بأنسنة التضامن والتعاضد وهكذا.. شعب أو جيل مفعم بقيم الأمل، وحب تراب هذا الوطن الغالي، جيل يقدر قيمة الخير عمليا وليس شفويا أو انتخابيا أو وصوليا أو…
فمن يريد أن يتحول إلى بطل حقيقي، عليه أن يبدع الأفكار الجديدة النافعة له أولا ، والمتمدرسين ثانيا وهكذا دواليك. فالتعليم لا يمكن أن ينجح مع مدرسة مثير إستجابة. بل هناك مسار إسمه الإخلاص لله والضمير .وللوطن وثوابتة.
لذا، إذا ما كان أهل حملة شوفوني يتهاونون في العمل أو يتهربون من الواجب أو أي شيء من قبيل ذلك، داخل الفصول الدراسية، ويبحثون عن الصور لأخد المقابل، فهذه كارثة كارثية للأخلاق التربوية، ومسيئة معنويا ورمزيا لنساء التربية والتكوين بصفة عامة!
فالتعليم رسالة نبيلة. وحملة شوفوني تسيء لمضمون الرسالة!
فالمظاهر لن تعالج الخلل مهما تفنن من يقدسها!.
فصورة المدرس عليها أن قبل كل شيئ أن تغرس في وجدان المتعلم وتصبح
قدوة للجميع، وتلقى التقدير والاحترام في الأوساط الاجتماعية والسياسية.
أما عن مسألة الخوف، وعلاقته بالإبداع والاستقرار النفسي فهذا معقد أكثر من العقد.
فعندما تحشر هيئة التدريس في دائرة اسمها الخوف ومحاطة ببهتان بعض المراهقين وحقد بعض السياسيين وتسرع بعض الصحفيين وجهل بعض الأسر !
إذن، كيف يمكن للإبداع أن يبدع وهو محاط بسياج مليء بالفخاخ!
فخوف هيئة التدريس، وتكبيلها بقوانين ومذكرات زجرية ، يعني ترك الأمور على حالها
والابتعاد عن التوجيه والنصح .
فمؤسف أن يتم محاصرة هيئة التدريس من كل جهة!
فكل من يحمل لواء التربية هو حامل للأمل، ما دام هذا المبتغى يندرج في مهنة الأمل(التربية والتعليم) وهي تشريف لزرع وحصد أمل شعب في الازدهار، والمساواة، والكرامة، والرقي الإجتماعي، والعلمي.
إذ، بالرغم من توالي الضربات الموجهة لعالم التربية، خصوصا ممن يتقنون الاصطياد في الماء العكر، خصوصا حين تقع هفوة معينة أو أخطاء جسيمة من قبل بعض أهل التربية والتكوين!.
فالتربية بصفة عامة تحتاج للاحترام، وتقدير الجميع، وترسيخ قيم الأخوة والمساواة قبل التعليم.
أما الخوف فهو في نهاية المطاف ظاهرة طبيعية، لكن أن تصبح القوانين مخيفة لدرجة فقدان وسائل الضبط لدى المعلمين والمتعلمين فهذه كارثة.
وبالنسبة لأهل شوفوني حبذا لو أبدعوا شيئا تربويا جديدا للمهنة له الأثر على الناشئة والأسرة والمجتمع ككل.
فهيئة التريس عليها أن لا تتطفل على مهن أخرى قائمة الذات. وهي أصلا تدخل في خانة التكوين المهني الذي وضعت له مؤسسات ومراكز خاصة تخرج آلاف المهن والحرف ومؤطرة بدبلومات وشواهد رسمية معترف بها!.إذن لا تزاحموا أصحاب الحرف المتنوعة، واهتموا بمهنة اسمها الاخلاص لثوابت الأمة المتنوعة، والرقي بحضارة التربية في اتجاه الجوهر المعاملاتي القائم على الاحترام والنزاهة، وحب الخير للجميع، والتنافس المسؤول، والعدالة في تطابق الأقوال مع الأفعال. وهكذا هي تربية التربية!