افتتاحيةوطنية

إفتتاحية رقم 1 : كيف سيكون المغرب بعد كورونا

من الملاحظ أن الدولة في تطبيقها لحالة الطوارئ الصحية اعتمدت على البنية القديمة من أجل إجبار الناس في عدد مهم من المدن، خصوصا، على الالتزام بحظر التجول، شاهدنا في الفترة الأخيرة كيف أصبح ’’القياد‘‘ و’’الشيوخ‘‘ و’’المقدمين‘‘ يتصدرون المشهد من أجل فرض الالتزام، بينما ظهور الجيش وحتى الشرطة كان أشبه بعرض اعلامي.

وبينما كشف الوضع الطارئ كم الهشاشة الاقتصادية، بشكل خاص، ونقص الوعي لدى الناس (بشكل عام) بدا أن السلطة لم يكن أمامها سوى الاعتماد على هذه البنية، وهي المتاحة والفعالة، من أجل جعل الناس يعودون إلى منازلهم، لم يكن أمام الدولة سوى لعب ورقة ’’الخوف‘‘ (من المرض أو من رجال ونساء السلطة) وهو ما يطرح أسئلة كثيرة عن عقود ’’التحديث‘‘ و’’الحداثة‘‘ التي مرت، وغني عن القول أن دروس التاريخ علمتنا أن نتائج الخوف والقهر تبقى دائمآ غير مضمونة وغير متحكم فيها والدليل هو ما نعيشه اليوم.

ومع انقضاء شهر مارس، يكون قد انقضى اسبوعان من توقيف الدراسة، وأكدت الوزارة في بلاغ التوقيف أن الأمر لا يتعلق بعطلة بل سيتم تعويض الدروس الحضورية بدروس عن بعد، وعلى الأرجح أن ما كان متحكما في عقل الوزارة، إضافة إلى خطر الجائحة، هو تدبير الزمن المدرسي، وبدا أنها تقدم الأمر بشكل بديهي عبر الحديث عن المسطحات والمنصات الرقمية والقنوات الفضائية.

إن أول العراقيل التي واجهت فرض حالة الطوارئ الصحية هو الوضع المعيشي للناس، حالة وضعت مئات الآلاف من معيلي الأسر في مواجهة الخوف من تأمين الطعام لأسرهم، وهو وضع كشف حجم التغطية الاجتماعية التي كانت على الدوام محور حديث المسؤولين، فحين قررت الدولة الاعتماد على بطاقة الضمان الاجتماعي من أجل تعويض فاقدي الشغل واجهت واقعا مختلفا، ومن المؤكد أن قرارها باعتماد لوائح المسجلين في نظام ’’راميد‘‘ بدوره سيواجه غضبا ومشاكل وسيكون عليها تعديل معاييرها مرة أخرى من أجل تعميم التعويضات، وعلى الأرجح سيكون ’’المقدمون‘‘ و’’الشيوخ‘‘ هم الفاعل الأساسي في من سيتلقى تعويضا أم لا.

يسجل للدولة القيام بخطوات استباقية، وهي خطوات يجب تثمينها والحرص على تنفيذها، ويمكن القول أنها خطوات وإن تأخر بعضها قليلا كان من الممكن إلى حد بعيد أن تجعل البلاد بمأمن من منطقة الخطر، لكن البنيات التي عليها تفعيلها، خصوصا التي سلف ذكرها، تعاني وضعا يؤرق الجميع.

ويساهم انتشار الشائعات والأخبار المزيفة في تعقيد العمل على تدبير هذه المرحلة، وإن كانت السلطات تعمل بجد لمحاربة هذا الأمر، فإنه يستهلك طاقة ومجهودات يمكن أن توجه لمهام أخرى، ومن جانب آخر فإن انتشار الأخبار الكاذبة وفبركتها مؤشر على غياب المعلومة الصحيحة والدقيقة، وهو يطرح أكثر من كونه حقا، ضرورة ملحة في هذه المواجهة، ولن يكون من الممكن التقدم بغير الوضوح وتمكين الناس من المعطيات وإعطاء الكلمة للمختصين ليوضحوا للناس.

لن نختلف على القول أن ما يواجهه المغرب في هذا الظرف الصعب هو القرارات التي اتخذت على مدى عقود، وكل ما يمكنه فعله الآن هو تدبير المرحلة بحسن استخدام الإمكانات المتاحة وتعزيز الشفافية على كل المستويات، وأولها تدبير الصندوق المخصص للحد من آثار الأزمة على الفقراء بشكل خاص، وإن كانت المرحلة ستضع كل الخطوات على المحك، فإن العنوان الأبرز بعد تجاوز هذا الوضع هو أنه آن الأوان لتضع الدولة يدها على الصحة والتعليم وتجعلهما قاطرة لنموذجها التنموي، من جانب حقوق الناس في الخدمة العمومية، ومن جهة جاهزية الوطن لكل ما من شأنه..

في ظل هذه الظرفية ارتفعت أصوات تنبه إلى تصاعد السلطوية، في المغرب أيضا يخشى أن مغرب ما بعد ’’كورونا المستجد‘‘، سيصبح مغرب ’’ما بعد كورونا‘‘ المستبد، فقد راهنت الدولة طويلا على خوف الناس لتعزز سلطويتها، والخوف ليس رادع الفقراء وحدهم، فقد كشف التهافت على المساهمة في الصندوق المحدث لمواجهة الجائحة، خوف الأغنياء بدورهم، فمن جهة جاء قرار إحداث الصندوق من الملك شخصيا، والملك في زمن الجوائح الغابرة هو السلطان، ولا مجال للامتناع عن مباركة قراره، لكنه خوف أيضا من الهلاك، فلا خلاص اليوم إلا الخلاص الجماعي بعد أن كشر الوباء عن أنيابه في البلاد التي يمكن الهروب إليها، وأصبحت خيارات النجاة أفضل داخل الوطن. وبينما بدا للبعض من هذه الفئة أن الفرصة مواتية للاستفادة من ريع هذا الصندوق، نطرح سؤالا عريضا، إلى أي مدى يؤمنون بالوطن بعيدا عن المصلحة الضيقة؟

خالد أمين : مدير نشر ورئيس تحرير موقع صوت الصحافة www.voixpress.ma

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى