أرضية الأيام الدراسية الأولى حول الفن الصخري بالمغرب (جهة العيون الساقية الحمراء نموذجا)
صوت الصحافة // هشام العباسي
في إطار عقد البرنامج الخاص بتمويل وإنجاز مشاريع التنمية المندمجة لجهة العيون الساقية الحمراء وتنفيذا لبنود الاتفاقية المبرمة بين مجلس الجهة ووزارة الثقافة المتعلقة بتطبيق مقتضيات المكون الثقافي، وانسجاما مع مهام وزارة الثقافة بتنمية التعاون والشراكة مع جمعيات المجتمع المدني، واعتبارا لمقتضيات الدستور الرامي إلى العناية بالثقافة الحسانية، لاسيما الفصل 05 منه المتعلق بصيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وتفعيلا للنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة بكل أبعاده لاسيما الثقافية منها، ووعيا بضرورة الارتقاء بالمكون الثقافي لجهة العيون الساقية الحمراء، وتعزيزا للدور المحوري الذي يضطلع به المجتمع المدني في مسار إعداد وتفعيل الخطط الاستراتيجية في المجال الثقافي والفني ، وتنفيذا لبرامج المكون الثقافي من النموذج التنموي لجهة العيون الساقية الحمراء تعتزم المديرية الجهوية لقطاع الثقافة بالعيون تنظيم أيام دراسية حول الفن الصخري بالمغرب
أيام 20–21-22-23 ماي 2021 بالعيون ، نظرا لما تزخر به الجهة وخاصة إقليم السمارة من مواقع للنقوش الصخرية هي موضوع أبحاث ودراسات أثرية بمشاركة خبراء مغاربة وأجانب بكل من موقع لغشيوات وموقع العصلي بوكرش وعصلي الريش ، وستشمل الأبحاث
والدراسات مواقع أخرى.
تتشكل الحضارة من كل الإنجازات المادية والفكرية والروحية للمجتمع التي تختفي مع مرور الزمن، إلا أنها لا تفنى كليا، بل تقاوم من أجل البقاء لتكون شاهدة على التطور الثقافي والتقني للإنسان على مر العصور، منها ما هو على سطح الأرض كمواقع الفن الصخري والمعالم الجنائزية وورشات صناعة الأدوات الحجرية، والبنايات القديمة والقصور والقصبات ..، ومنها ما هو مدفون تحتها كبقايا عظام الإنسان والحيوان وغيرهما…، ولأن دراسة الماضي و الاستفادة من تجاربه على اختلافها وتثمين كل العناصر الثقافية المادية، تعد حاجة ملحة لوضع استراتيجيات تنموية مبنية على أسس علمية، انطلاقا من نافدة الجرد والتوثيق والتنقيب والتسجيل في الفهارس. ويعد الفن الصخري من أهم مؤشرات الاستيطان البشري القديم بالمغرب الذي يعكس
التطور الثقافي والحضاري للمجموعات البشرية المتعاقبة على المجالات الصحراوية وشبه الصحراوية والمرتفعات، وهو ما يعطي للمغرب وعمقه الإفريقي أصالة عريقة، لكونه يحمل بعدا تراثيا لا مادي رمزيا لازالت ملامحه مستمرة في بعض المناطق إلى اليوم، وفي الوقت نفسه تراثا ماديا غنيا وثريا من حيث المواضيع والأشكال التي يمكن استقراؤها وتحليلها وتركيبها لكونها تشكل سجلا من الماضي وثق على صفحاته الإنسان القديم أنماطه المعيشية وطقوسه اليومية.
وبناء على ذلك، فإن تحديد التمركزات الكبرى للفن الصخري بالمغرب كان مسألة ضرورية لدراسة خصوصياتها الطبيعية والبيئية لرصد تطور المجموعات البشرية وعلاقة المناخ بالثروة الحيوانية قديما، ونتيجة لتراكم الدراسات الميدانية استطاع الباحثون تحديد أربع مجالات كبرى لمواقع الفن الصخري بصنفيه المرسوم والمنقوش وهي المناطق الصحراوية ومنها مواقع تيرس وأدرار بجهة الداخلة وادي الذهب معظمها في المجال الترابي لإقليم أوسرد تتميز بحداثتها وأغلبها تعود لمرحلة البقريات والمرحلة الليبية الأمازيغية، أما التقنية الأكثر حضورا فهي تقنية النقر ، عكس مواقع زمور والساقية الحمراء التي سجلت فيها أقدم مرحلة للفن الصخري بالمنطقة ، زاوج فيها الانسان القديم بين تقنية الصقل والنقر مع حضور مكثف لأسلوب تازينا الذي يغيب في مجال تيرس وأدرار، أما بخصوص مراحل الفن الصخري بزمور التابع لجهة العيون الساقية الحمراء فجميع المراحل الكبرى للفن الصخري الإفريقي ممثلة ثقافيا وفنيا، والتي نجد لها امتدادا في مجال درعة عبر الممرات الطبوغرافية التي يبدو أن الإنسان القديم قد سلكها للوصول إلى السفوح الجنوبية للأطلس الصغير عبر مجال لحمادة شرقا وفجاج واركزيز وباني وهو المجال الترابي التابع لجهة كلميم وادنون والمعروف بالمجالات شبه الصحراوية كمواقع عوينات أزكر ولبيرات والمحبس ووادي صياد وتمنارت، وصولا إلى مواقع زاكورة وطاطا ووارزازات ومرتفعات أوكيمدن وياغور وصولا إلى بوعرفة ووجدة شرقا التي نجد لمواقعها امتداد للأطلس الصحراوي الجزائري .
والأكيد أن السنوات الأخيرة نال فيها التراث الصخري اهتماما كبيرا من طرف الجامعات المغربية وفرق البحث وجمعيات المجتمع المدني، مما خلق تراكما لا ّبأس به في هذا المجال، من خلال العديد من الأبحاث الميدانية المنجزة والتي سمحت بتكوين بنك معلوماتي عن مواقع الفن الصخري وما تزخر به من عناصر ثقافية مادية سطحية، لازال الكشف عن جزء منها في بدايته، ومن شأن التطور التكنولوجي وتوظيفه في عملية التوثيق والجرد والدراسة والمقارنة أن يحقق نتائج علمية هامة، خاصة إذا ما تم الاستعانة ببعض العلوم المساعدة كالجيولوجيا والجيومرفولوجيا و علم
المناخ القديم وهي تخصصات دقيقة تدعم نتائج الأبحاث الأثرية.
وعلى الرغم من الأهمية التاريخية والحضارية والثقافية للفن الصخري فإننا نجد العديد من المواقع قد تعرضت في السنوات الاخير لعملية تخريب وتدمير نتيجة الجهل وعدم إدراك اهميتها مما يلقي على عواتقنا مسؤولية كبيرة للتصدي لمثل هذه الأفعال والتعجيل باشراك كل الفاعلين خاصة الفاعل السياسي الذي يعد حلقة مهمة في مشروع جرد ودراسة وتثمين بقايا حضارات ما قبل التاريخ، حتى يصبح التراث في خدمة الاقتصاد من خلال تشجيع السياحة الثقافية بمشاريع تعود بالفائدة على الساكنة المحلية، التي يعتبر اشراكها في عملية المحافظة والحماية ضرورة ملحة من خلال تملكها لمكونات هذا التراث حتى يمكنها أن تساهم بدورها في عملية الحد من التخريب والتدمير.
و إيمانا منا بأهمية المحافظة على التراث الصخري وإدماجه في التنمية الاقتصادية؛ خاصة بعد ما أصبحت معارفنا بهذا النوع من التراث المادي لابأس بها بفعل انطلاق مجموعة من برامج الجرد والتوثيق في المناطق الصحراوية (جهات الداخلة وادي الذهب والعيون الساقية الحمراء وكلميم وادنون) مما سيسهم بلاشك في وضع خريطة أثرية تعكس الانتاج الحضاري للمجموعات البشرية التي عاشت بالمجالات الصحراوية، الشيء الذي ستتبلور عنه كتابة جزء كبير من التاريخ القديم لهذه المناطق الصحراوية و شبه الصحراوية ووضعها في سياقها الجغرافي المنفتح على إفريقيا وساحل الصحراء. وفي هذا الإطار يأتي تنظيم الايام الدراسية الأولى حول حصيلة ومستجدات الفن الصخري
بالمغرب أيام 21-22-23-ماي2021 من طرف المديرية الجهوي للثقافة بالعيون(جهة العيون الساقية الحمراء نموذجا) تحث شعار”الواقع والرهانات”، والذي نتوخى من خلاله التعريف بهذا التراث الثقافي وحصيلة الابحاث الميدانية وتبادل الخبرات حول السبل الكفيلة لحمايته وتثمينه ودمجه في البرامج الاقتصادية الهادفة، كما يروم التحسيس بالمخاطر التي تتعرض لها المواقع الاثرية من سرقة
وتخريب وتطفل على المجال مما يسيء لهذا التراث الإنساني.